رغم أن الشعر العربي القديم لا يذكر الشوارب، لا بالخير ولا بالشر ، ولم تكن الشوارب – في ذلك الحين- جزءا من الرجولة والشرف، إلا أننا تعلمنا هذه العادة فيما بعد، بعد أن ترك الأجداد نساءنا العربيات ، وتزوجوا من نساء الشعوب المهزومة أمام المد العربي . ومن أمهاتنا الأجنبيات وأخوالنا ، ربما انتقلت لنا عادة تفتيل الشوارب ، من الشعوب المهزومة التي توقفت عن تفتيل شواربها في هذه الأثناء. ولا نستطيع أن نلوم أجدادنا على (ذوقهم الرفيع) هذا في مرحلة الانتصار والزهو القومي، لكن ذوقهم هذا كانت له «مضاعفات جانبية» على الأحفاد وأحفاد الأحفاد، حتى الان.
أتخيل أعرابيا أثناء خلافة المعتصم العباسي يجلس ملولا على تلّــة مقابلة لعسكر الخليفة الذي يسيطر عليه الأتراك (أخوال المعتصم بن هارون الرشيد).. أتخيل الأعرابي صاحبنا وهو يتمغط ويتمخط مزهوا بما وصل إليه العرب من مجد وعزة وسؤدد ... كيف لا ، وهو يرى جموع الترك يصطفون لخدمة العرب العاربة، لا يهدفون سوى نيل الرضى والدفاع عن حمى الإمبراطورية وغلمانها وسباياها، عن طريق بذل الغالي والنفيس في سبيل راحة الأعرابي وأمنه. .. ارتفع (دوز) الزهو عند صاحبنا الأعرابي، حتى قام بتفتيل شواربه فخرا وزهوا وافتتانا بما وصلت إليه عزة العرب ومنعتهم.
انهمك الرجل في فتل شواربه والتمشكح مزهوّا في الطرقات ، فانتقلت العدوى إلى غيره من العرب العاربة والمستعربة والمستغربة ، فانهمك الرجال العرب ، وربما بعض النساء العربيات أيضا، في تفتيل شواربهم وشواربهن زهوا وافتتانا....واستمر هذا الحال لساعات ثم لأيام وأشهر وسنوات وقرون...جاءت الأجيال وراء الأجيال تترا، حتى صار تفتيل الشوارب جزءا من الشيفرة الوراثية للكائن العربي .
مات المعتصم... وجاء بعده خلفاء أكثر ضعفا ، تدريجيا صارت الخلافة العباسية تتداعى حتى استولى عليها جند الأتراك ، فيما استمر رجالات العرب في تفتيل شواربهم زهوا وافتتانا.
انهارت الدولة العباسية وتفتت مثل (شامبر اللوكس) وتوارثها الغلمان والخصيان والجواري ... وجاء البويهيون والصفويون والأيوبيون والرزالمطحون، ثم جاءت المماليك البحرية والبرية والجوية .. ... وانهمك العرب في تفتيل شواربهم ، في هذه الأثناء جاء الغزاة الصليبيون وبنوا القلاع والحصون والمدن على طول الساحلين السوري والأفريقي وفي فلسطين..بينما العرب منهمكون في تفتيل شواربهم، ثم(شرّف) العثمانيون واستعمرونا لأربعة قرون .
بدأت النهضة في أوروبا بعد الاستكشافات الجغرافية، والعرب منهمكون في تفتيل شواربهم، والنظر بإستعلاء الى كل من في الكون من إنس وجن وكائنات وجماد.
جاءت الثورة الصناعية والمانيفاكتورا... ازدهرت العلوم وتطورت في المجالات كافة والعرب منهمكون في تفتيل شواربهم.. صارت أوروبا قوة علمية وصناعية ومركز إشعاع ثقافي وعمراني والعرب منهمكون في تفتيل شواربهم، وفي اجترار الكتب التي تتحدث بالتفصيل الممل حول فضل العرب على العالم.
احتل الأوروبيون البلاد العربية بعد أن أسقطوا الإمبراطورية العثمانية، وتقاسموها بينهم مثل سدر الكنافة، فيما انهمكنا في تفتيل شواربنا زهوا وافتتانا بفضل العرب على الغرب.
جاء الصهاينة والأميركان واحتلوا فلسطين. قاوم الفلسطينيون بكل ما يملكون من قوة ومن رباط الخيل، فيما انهمكنا نحن في تفتيل شواربنا.
الرجاء التوقف عن تفتيل الشوارب خلال قراءة هذا المقال.
-
أخبار متعلقة
-
لا يمكن هزيمة الكاتب (2-2) عبدالجبار أبو غربية نموذجاً ومُلهِماً !!
-
النمو الاقتصادي السعودي وفي الخليج العربي
-
اتهامات للأميريكيين في عمان
-
نحنحة
-
أسرى لكن برغبتهم ..!!.
-
لا يمكن هزيمة الكاتب (1 - 2) هشام عودة نموذجاً وملهِماً !!
-
إلى متى ستحتمل الضفة الغربية؟
-
اليوم عيدُ ميلادي