الجمعة 26-04-2024
الوكيل الاخباري
 

لبنان وغياب الدولة



مؤلم وخطير هذا المصاب الذي حل بلبنان. انفجار هائل لم يستثن احدا راح ضحيته 220 لبنانيا بريئا وآلاف الجرحى ومليارات الخسائر المادية. الجميع يحاول ان يفهم ما حدث وما اسبابه لكن لا جواب شافيا للان، بانتظار نتائج التحقيق التي لن تحظى بمصداقية عالية لان الاهمال ذاته الذي تسبب بالانفجار يقف خلف التحقيق. ما يمكن قوله الان، ان الانفجار سببه بإحسن الاحوال الاهمال وغياب مؤسسات الدولة وفاعليتها، اما اسوأ الاحوال فهي مفتوحة على كل الاحتمالات السياسية والامنية. ترهل خطير بمؤسسات الدولة وانحدار بفاعلية الاجراءات والتحذيرات، كيف لا وكل النظام السياسي اللبناني قائم على الطائفية والمحاصصة التي لم تعد مقتصرة على رؤساء السلطات بل تسللت الى كل مستويات الادارة. سلطات الجمارك والمرفأ حذرت من خطورة المواد المخزنة لكن ما من مجيب، ولماذا نتوقع ان احدا سيجيب ما دام اتى لموقعه وسيغادره لاسباب طائفية غير نزيهة ولا تعتمد على الكفاءة.اضافة اعلان


لن تكون هذه آخر مصائب لبنان، فالبيئة حاضنة ومهيأة لمزيد من الكوارث، وما دامت معايير السلطة والادارة حزبية طائفية فحتما سيكون لها مزيد من النتائج الكارثية على لبنان وشعبه، وما دامت مواقع المسؤولية لا تستند لمعايير النزاهة والجدارة فليتوقع اللبنانيون المزيد من الكوارث. اباطرة السياسة والطوائف مصحوبة بفساد ممأسس جعلت من لبنان العراقة والثقافة والتاريخ بلدا يغرق في الحزن والضيق الى اذنيه. كل حكومة وادارة تأتي لتراكم مزيدا من الفشل لان الخدمة العامة ورفعة لبنان ليس هدفها بقدر ما ان هدفها اعلاء شأن الطائفة والطاعة العمياء لزعيمها. النتيجة كانت انهيار للدولة التي باتت مظهرا واقفا بلا جدوى ولا قدرة على تصحيح الاخطاء. الدولة اللبنانية باتت اصغر واقل قيمة من طوائفها التي استباحتها ونكلت بها.

هل تعرفون الان لماذا انقبضت قلوب الاردنيين عندما وقف نقابي داقا على صدره صارخا” أنا الدولة!؟” لان كلامه وصفة للفوضى واضمحلال للدولة واستقواء عليها، فإن رأينا اننا كأحزاب ونقابات وعشائر ومؤسسات مجتمع مدني اكبر من الدولة انزلقنا للمنحدر الذي دخله لبنان لا قدر الله. في الاردن، الدولة اقوى من الجميع وهذا ما يجب ان يكون وما يجب ان يقاتل من اجله، وبئس كل جاهل يقول بغير ذلك. وعلى عكس لبنان، لا يسمح الاردن لحزب ان يكون اقوى من الدولة، ولا ان يمتلك اسلحة، ولا ان يكون امتدادا لاي حزب في الخارج، ولا يسمح بطائفية ولا تقسيمية سياسية او اعلامية بل يجرمها ويعاقب عليها ويعد وحدة الاردنيين الوطنية اقدس المقدسات. ولادراك الاردن للاخطار التي تجري في دول حوله جاءت ورقة الملك النقاشية التي تحدث فيها عن ضرورة وجود جهاز اداري محترف بعيد عن السياسة كشرط اساس للحكومات البرلمانية. وجاءت التعديلات الدستورية التي اعطت الملك حصرا حق تعيين قادة الجيش والمخابرات والدرك. هذا الشرط وهذه التعديلات تجنبنا منزلق دول كلبنان والعراق وتحمي الدولة وشعبها من تجاذبات السياسة التي ستضعف عمل الادارة العامة لا محالة.