الخميس 28-03-2024
الوكيل الاخباري
 

مبادرة كبرى للفقراء يا دولة الرئيس



جلت بسبب مهنتي مع غيري، في مواقع كثيرة، في المدن والقرى والبوادي والمخيمات، وكانت البيوت المنسية في كل مكان، بيوت لا يعلم بحالها إلا الله عز وجل، وأغلبها تعاني من تعقيدات في الظروف، فقر، ومرض، وأشياء أخرى، يجعلها في أسوأ حالة تراها كإنسان أولا وصحفي، فتترك أثرا كبيرا عليك، فلا تكتب في السياسة إلا وأنت تدرك أن السياسة هي الإنسان أولا.اضافة اعلان


أمام هذا المشهد، ترقب أيضا محاولات إطفاء الفقر، سواء المساعدات التي تقدمها الجهات الرسمية، أو الذين يتبرعون بأموالهم، ويكفلون فقراء ومساكين وأيتاما ومحتاجين، وربما يقدر عدد المكفولين في الأردن بمئات الآلاف، بمبالغ بسيطة، عبر مؤسسات خيرية كبرى، إضافة إلى ما يقدمه كثيرون بشكل مباشر، عبر زيارة العائلات وتفقدها في ظل الفقر، وما كان يحوله مغتربون عبر عائلاتهم من أجل مساعدة عائلات محتاجة.

نحن اليوم أمام مشهد مختلف، فالأرقام الرسمية قبل كورونا تتحدث عن مليون فقير، وفقا لمعايير قد لا تكون مقنعة كثيرا، ولو أردنا تحديد عدد الفقراء لكان أكثر من بين الأردنيين، في كل مواقعهم، ويضاف إليهم أعداد كبيرة هذه الأيام بسبب الوباء، ممن كانوا يعيشون على العمل اليومي، ومن المهن المختلفة، من سائق سيارة الأجرة، مرورا بعامل محل الحلوى، وصولا الى الكهربائي وعامل البناء والميكانيكي وغيرهم، فنحن أمام طائفة كبيرة متضررة، وقد دخل رمضان اليوم، وهم يعانون من ظرف صعب جدا.

الوجه الآخر لهذا الملف، يتعلق بتعقيدات الوصول إلى الفقراء، فكثرة تريد إرسال حوالة مالية من داخل الأردن إلى فقير، بسبب عدم القدرة على الوصل بالسيارة، فلا المتبرع يستطيع الوصول الى محل الصرافة، ولا فقير قادرا أيضا، كما أن المشهد الاقتصادي في العالم كله، يسبب حذرا في الإنفاق، تحوطا مما هو مقبل وآت، وسنشهد ظاهرة تجفيف الإنفاق عند كثيرين.

لقد كنا نشهد سابقا في رمضان حملات كبرى للتخفيف عن الناس، ومن الأولى اليوم، أن نتذكر تعقيدات الحظر، وصعوبة تدفق المال للفقراء، من المتبرعين من أجل الوصول إلى حلول، تمكن من يريد المساعدة، أن يساعد، وربما يتم اجتراح مبادرة شعبية كبرى من أجل الفقراء، تضاف إلى البرامج التي أعلنتها الحكومة سابقا، تخفيفا عن الفقراء في رمضان، وأنا أدرك أضرار القطاع الخاص، وخفض رواتب الموظفين، وإن كل هذا المشهد قد يؤدي الى تراجع أموال المساعدات والتبرعات.

هذه ساعة عُسرة، وأعتقد جازما أن على كل واحد فينا، ان يساعد قدر الإمكان، جاره، قريبه، وان يحاول إيصال المال للمحتاجين بكل الوسائل، وان لا ندع مجالا في قلوبنا للخوف على المال الذي بين أيدينا، بذريعة أن الوضع يتغير اقتصاديا في كل الدنيا، بما في ذلك الأردن، فهذا يؤشر على خلل في الايمان، وكأن المرء يعتمد على ماله، بدلا من الله، كما أن ساعة العسرة هذه، ذات أجر عظيم، من حيث أن مساعدة الآخرين فيها، لها قيمة مختلفة، والله الرازق في كل الظروف لا يمكن الا يبارك المتبرع، في ظل هذه الظروف الصعبة، وغير العادية، التي تمر بها شعوب العالم، بمن فيها أهلنا هنا.

ساعة العسرة، قد تكون اختبارا لنا كلنا، إذا كنا سنرحم بعضنا أو لا نرحم، فهي امتحان لنا، أيضا، وهي ساعة ستمر نهاية المطاف، وكل قادر على التنازل عن إيجار عقاره، إذا تمكن من التنازل، له أجر كبير، وكل من يسامح أو يؤجل استحقاقات مطلوبة كليا أو جزئيا، من غيره، ينال شرفا عظيما، فيما تجفيف مال التبرعات المعتادة وحتى مال الزكاة بذريعة تغير الظروف، أمر سلبي جدا، ويؤشر على قلة يقين بالله، وكأن المرء يستقوى بماله فقط.

هذا أول يوم في رمضان، وما يزال الشهر في بدايته، وعلينا أن نتذكر أن سلامة الكل تعتمد على مبادرة الفرد، وتكاتف المجموع، في ظل حالة صعبة، حيث لنا أهل في كل بيت منسي، في المدن والقرى والبوادي والمخيمات، وأيضا أشقاء سوريون ومصريون، وجنسيات أخرى، قد تكون أيضا في وضع صعب جدا، ولا مأمن لها بعد الله، إلا عيشها في هذا البلد الطيب.

ليس وعظا وإرشادا، فهذه ليست مهمة الصحفي، لكنها خواطر على هامش تجمع المصاعب معا في توقيت واحد سنتجاوزه برحمة الله أولا وأخيرا.