السبت 27-04-2024
الوكيل الاخباري
 

وقمح



طلب العبقري الذي اخترع لعبة الشطرنج مكافأة من الملك الهندي: أريد حبةَ قمح (فضحك الملك لهذه السذاجة!)، ثم تابع: أريد حبة قمح في المربع الأول، وضعفها بالثاني، وضعفهما بالثالث، وهكذا حتى آخر مربعات الرقعة؛ فاستغرب الملك أمر هذا الرجل الذي حيزت له الدنيا وما فيها، فتقزمت أمنياته إلى القمح. فأية ثنائية بين القمح والمستحيل تتخلق في هذه الأمنية المتفاقمة الطويلة؟!.

اضافة اعلان

وعند التنفيذ يكتشف الملك، أن صوامع الأرض ومخازنها وكوايرها (الكواره مخزن القمح في بيوتنا القديمة)، لن تصل إلى المربع العشرين في الرقعة التي تبلغ 64 مربعاً، وبحسبة كمبيوتر فإن الرجل يحتاج إلى (18446744073709551615) حبة قمح فقط!، والتي يستغرق عدّها (584 بليون سنة)، علماً بأن عمر الأرض(4,5) بليون سنة: فيا لها من رسالة أيها العبقري؟!. فكم نحتاج من كواكب وأقمار نحرثها ونزرعها لنملأ الشطرنج قمحاً؟!. وهل الرغيف يستحق هذا الحلم؟!.
لن أقف عند خيال الرقم، وبهاء الفكرة وفحواها طويلا، بل ساقف في رأس بلدة نعيمة، أو على مرتفع في قرية شطنا، أو في أعالي بلدة الحصن في إربد، وأمد نظري في تلك السهول المبسوطة كراحة اليد، والتي ما زالت تعرف بسهول حوران، سيترحم على أيام كانت بلادنا هذه تسمى أهراء روما (الصوامع الكبيرة التي يخزن بها القمح)، أو سلة غلال لكثرة ما تنتجه من خيرات!.
لا أريد القول أن ما نزرعه من قمح لا يكاد يكفينا بضعة أيام خبزاً، ولا أريد أن القمح سلعة استراتيجية سيكون لها حضور في قابل الايام بعد حرب روسيا على أوكرانيا لا أريد أن أقول هذا، ليس لأننا مضغوطون دون وسيلة ضغط، بل إنني لا أكاد أتخيل حالنا لو وقعت كارثة بحرية، منعت البواخر من الوصول بطعامنا. وهنا لا نريد نصيحة ماري أنطوانيت، من أن البسكويت والكت كات كله كان لدينا مبذولا ومتاحاً في بركات المولات والبقالات.
نحن نميل للراحة والاسترخاء، وهذا لا يبني مستقبلاً، ولا يحقق إمتيازاً حضارياً يثير التاريخ، ويدخلك في رقعة العالم وشطرنجه. وإلا ما المعنى أن غالبية أراضينا الصالحة لزراعة القمح، تترك بوراً، أو تزرع بالحمص (الحاملة الملانة)؟!. ألأن هذا النبات المطلوب شعبياً، لا يحتاج إلى حصاد ودراس كالقمح، بل يقلع ويباع على قارعات الطرق؟!، وما دمنا قادرين على إنتاج الحمص بهذا الوفرة، فلماذا ما زلنا نستورده لفلافل المطاعم من تركيا والبرازيل بأسعار عالية تثقلنا؟
أمنياتي الشطرنجية ألا تلعب بنا الأحداث أكثر من هذا، وأمنيتي القمحية أن نبدأ بزيادة عدد أيام اكتفائنا الذاتي من الخبز تدريجياً، علنا نصل إلى المربع الخامس أو السادس، في عقد من الزمان أو أدنى.