الجمعة 2024-12-13 07:38 م
 

“ونشرب إن وردنا الماء صفوا”

05:03 م
 
تاريخ العرب والمنطقة غني بقصص الخلافات والحروب والنزاعات التي تسببت بها المياه. فالكل يعتقد انها له ولا أحد يملكها غيره وهي أهم مصدر يستوجب الحماية ويؤسس للاستقرار. جميع القرى في بلادنا بنيت حول الينابيع ومصادر المياه فلا حياة بلا ماء. اضافة اعلان


منذ زمن بعيد قال الشاعر عمرو بن كلثوم أحد شعراء المعلقات” ونشرب ان وردنا الماء صفوا.. ويشرب غيرنا كدرا وطينا” لا ادري إذا ما كانت الروح التي كتب فيها عمرو بن كلثوم هذا البيت حاضرة في ذهن من يعتدي على خطوط المياه من اجل بضعة لترات من الماء يحتاج لها.

قبل أكثر من ثلاثة عقود كانت الدعاية الأبرز على شاشة التلفزيون الأردني وعبر أثير الاذاعات العاملة تقول “لا شيء يروي كالماء.. ولا ماء يروي كالكوثر”. كانت هذه الدعاية جزءا من الحملة الترويجية لإحدى شركات تعليب مياه الشرب. 
في تلك الفترة ظهرت شركات مملوكة لشخصيات من خلفيات عسكرية وامنية مما دفع البعض للقول بأن مفهوم الأمن المائي في الأردن يقتصر على منح رخص تعليب وتوزيع المياه لأشخاص ومجموعات لهم خلفية أمنية. اليوم هناك عشرات شركات التعليب والتغليف والتوزيع للمياه ومئات شركات التنقية والتعقيم ومصانع لانتاج العبوات بمختلف الاشكال والاحجام ومع ذلك هناك الكثير من العطش والخوف الذي يصل إلى حد الكابوس من احتمالية انقطاع المياه ومواجهة ازمة يصعب التنبؤ بمداها.

الأردن الذي يتزايد سكانه بمتوالية يصعب التنبؤ بها يحتاج لأكثر من مليار واربعماية متر مكعب من المياه لغايات الشرب والزراعة وسائر الاستخدامات الاخرى. ومع ذلك فان حجم المتاح من هذه المياه لا يتجاوز ثمانماية مليون متر مكعب الأمر الذي يعني وجود عجز مائي يقارب ستماية مليون متر مكعب سنويا. في وجه هذا العجز المتزايد ما تزال استراتيجيات تطوير المصادر المائية والسعي لتحقيق الأمن المائي دون مستوى الطموحات. فالحوض المائي الاوسع يبعد مئات الكيلومترات عن مناطق الاستهلاك وأفكار البحث عن مصادر مائية جديدة تصدم بمعوقات سياسية واقتصادية وتباين في الاولويات والاتجاهات للعديد ممن يتولون دفة القرار في الأردن ومناطق الجوار.

الاعتداء الذي وقع على الناقل لمياه الديسي ليس الأول ولن يكون الاخير. في الجنوب وعلى طول الاراضي التي يمر بها تقع بعض الاعتداءات التي يجري التعامل معها تقنيا أو قانونيا.. الخط الذي يحمل ما يقارب 50 % من استهلاك عمان والزرقاء هدف يحتاج للحماية والصيانة ولبرنامج تنموي يدفع بالسكان والمجاورين الى حمايته والحفاظ عليه.

الأيام القليلة التي اعقبت الاعتداء اثارت الناس ودفعت بالعشرات من المحللين والمنظرين إلى طرح الاسئلة وفتح شهية البعض للاستفسار حول ظروف الواقعة ودوافع الاعتداء وإجراءات الحماية وخطط الطوارئ واستعدادات المؤسسات والكوادر المعنية لإصلاح الأعطال والتعامل مع الحدث بسرعة وكفاءة وفعالية.

في بيان الوزارة المقتضب اشارة إلى وقوع اعتداء على إحدى نقاط التهوية للناقل والتحذير من امكانية انقطاع المياه عن عمان والزرقاء وبعض المناطق لأسبوع أو أكثر. هذا البيان وطريقة التعامل الإعلامي معه أعادا إلى الاذهان المخاوف الساكنة والمتنحية في الوعي واللاوعي الاردني من احتمالية انقطاع المياه أو التوقف عن ضخها للمستهلك لأي سبب من الاسباب.

التلويح بانقطاع المياه أو إعادة جدولة التوزيع لما هو متاح منها أمر مقلق يشير إلى خطر قادم لا محالة. الخوف الجديد من تحول المرافق الحيوية إلى أهداف يمكن الاعتداء عليها أو تخريبها لأسباب معروفة وغير معروفة.

احراق محطات توليد الكهرباء وسرقة الكوابل واستجرار الكهرباء وسرقة المياه ظواهر تشير الى خلل في علاقة الدولة بالمواطن وتدعو الجميع الى وقفة مراجعة وبرامج تنموية تشعر الناس بأهميتهم وعناية الدولة واهتمامها بهم. المبررات التي يستخدمها البعض في الاعتداء على المرافق العامة مؤشرات يمكن دراستها وتحليلها والتصدي لأسبابها قبل ان يتسع نطاق الظاهرة وتتحول الى حالة الفوضى.
 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة