قبل اربع سنوات وفي مساء ماطر ومشحون بالريبة، كنت اجلس مع صديق لبناني في مقهى بعاصمة عربية، وأخذتنا التداعيات بعيدا الى زمن عشناه معا وكان الحلم فيه مُمكنا، وقبل ان تستغرقنا النوستالجيا قاطعني قائلا : ما اخشاه هو الا نجد ذات يوم مترا مربعا آمنا في هذا الوطن العربي من الماء الى الماء، لأن حدوده ستصبح من الدم الى الدم، وكنا صديقي وأنا نتابع تلك الطائرة السوداء الاشبه بالغراب منذ اقلاعها الى ان اختفت وراء السُّسحب، وأعني بذلك أننا كنا كلما التقينا نتحاور حول تقارير بول فويتس عام 1979 وعن كتابات برنارد لويس وهنري ليفي وفريدمان وبقية السلالة، ونشمّ عن بُعد رائحة نَتِنة تفرزها ضباع شقراء، بعد ان نفخت زفيرها في وجوه ملايين الضحايا الذين تبعوها الى المغارة، والقليل منهم من ارتطم رأسه بالسقف وكان الدم الذي غطى جبينه هو البلسم الذي أنقذه من غيبوبة نهايتها الموت المحتم .
لكننا لم نكن نجهر بهواجسنا امام اي شخص ثالث، لأننا ذات يوم فعلنا ذلك، وتعرّضنا لما يشبه التوبيخ على افراطنا بالتشاؤم .
والمسألة باختصار هي ان من كانوا يشمون عن بُعد الرائحة النّتنة حوصروا بما يشبه الإرهاب، ووجدوا من يصفهم بالرجعيين واحيانا بالعملاء، فلاذوا بالصّمت الى ان جرى ما جرى، ثم صاروا يسمعون الآخرين ممن استهجنوا آراءهم يرددون كالببغاوات الكلام ذاته، وربما ما هو اكثر منه بحيث اصبح المثل القائل « فوق حقّه دقّه « هو العبارة الوحيدة التي تليق بهذا الحال!
أعرف ان من سبق اخوته ليبلّغ امه انها اصبحت ارملة وأن أباه مات لا يستحق جائزة على ذلك الا اذا كان الغراب يستحقها وهو ينعق فوق الخرائب والاطلال، لكن هناك من يرون الاشياء بعيونهم ويسمعون الاصوات بآذانهم مقابل آخرين يوجد امامهم من يرى نيابة عنهم ويصغي نيابة عن آذانهم، لكن المفارقة الخالدة هي ان من يرى بعينيه ويسمع بأذنيه يُعاقَب، تماما كما عوقبت زرقاء اليمامة لأنها قالت، إن ما يراه الناس من حولها ليس اشجارا تمشي بل هم غزاة يخفون رؤوسهم وسيوفهم تحت الأغصان !
ومنذ تلك الحكاية وربما قبلها بكثير وأحصنة طروادة الخشبية تتسلل الى عقر اوطان ظنّ اهلها انها آمنة وراء الاسوار .
ان من صدّقوا ان السراب الذي صنعته عيونهم لفرط الظمأ ماءٌ زلال يموتون الان عطشا ولا يجدون حفنة ماء لغسل موتاهم .
كم اختلط الأمر علينا حين ظننا ان الغسق شفق وان القبر المفتوح خندق ... والى اللقاء في آخر متر مربع !
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو