الخميس 2024-12-12 06:52 ص
 

أبا الحسين .. كأننا لم نعرفك من قبل!!

01:29 م

تحدث جلالة الملك للقوى الشعبية والشعب حديثا خارجا من القلب إذ حديث القلب لا بد داخل للقلب بسهولة. كان حديث ذو شجون به العتاب والتذكير والتوضيح وإنارة لبقع بعضها رمادي وبعضها أسود. كان الوضوح الطابع الطاغي على حديثه وكما قال 'لنضع النقاط فوق الحروف'. لقد رد جلالته على المطالبين بـ 'إسقاط النظام' وهم قلة قليلة بأن وجود الهاشميين بالحكم ليس طلبا لمغنم ولا رغبة باحتكار السلطة. بل الحكم مسؤولية وأمانة لخدمة الأمة والوطن. كان ردا ملكيا يرتفع فوق الصغائر مستوعبا هفوات الأبناء عند تسرعهم بإطلاق الأحكام دون التعمق بما يترتب على تسرعهم.
وفي إشارة للتغيير والتعديل والتشريع وتحقيق المطالب الشعبية والحزبية, أوضح جلالته أن كل ذلك سيكون متاحا من خلال المشاركة بالعملية السياسية من تحت قبة مجلس النواب. وهذا تذكير للمعارضة التي نأت بنفسها عن المشاركة وأعلنت مقاطعتها للإنتخابات النيابية بأن لا سبيل لتحقيق التغيير إلا من خلال مجلس النواب ولن تنجح محاولات خلق الفوضى وخلط الأوراق من خلال التعنت والإصرار على المطالب الخاصة بفئة محدودة والظهور بتبني مطالب الشارع المتحرك.
لقد تبين لنا عبر استقراء آراء المتابعين لخطاب الملك أن ما أثلج صدورهم حديث جلالته عن المسؤولين الذين يضعون البرامج ويصوغون القوانين ويسوقوها على أنها البلسم الشافي ولا يجوز محاكمتها ونقدها طالما واضعوها في موقع المسؤولية. وبعد مغادرتهم لمواقعهم ينقلبوا على أنفسهم وعلى برامجهم البلسمية التي هم واضعوها ويبدأوا بنقدها وتشريحها متبرئين منها وهي حلال وشفاء عندما وضعوها وحرام وعلة عندما يغادرون كراسيهم ليتسامروا بصالوناتهم أو عندما يكونوا بحاجة لخلق شعبية تلمعهم وتحقق لهم مغنما برلمانيا أو مطمحا سياسيا.
ووصف جلالته لهذا النوع من الإنتهازيين به إشارة ملكية بليغة لوصفهم بعدم النزاهة وعدم احترام النفس. وصف يذكرنا بالأمريكان عندما يكونوا بموقع المسؤولية يستميتوا بالدفاع عن حقوق اسرائيل وبعد مغادرتهم لمواقعهم الرسمية يبدأ الكثير منهم بالتباكي على الفلسطينيين وحقوقهم ونقد اسرائيل. فهل يلتقط من هم بموقع المسؤولية ومن هم خارجها الإشارة الملكية لتعديل نهجهم وخطهم لما يرضي الله والناس؟؟ يقول سبحانه وتعالى بسورة الصف: ' كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3).
لقد كانت ردود الفعل التي شاهدناها مباشرة بمثابة تجديد البيعة من قبل الحضور لجلالة الملك عندما بدأ الحديث عن البعض الذي نادى بـ 'إسقاط النظام'. وقد كان موقفا مشحونا بالعواطف الصادقة وردة فعل فطرية وتلقائية وفزعة أردنية لمليكهم مبايعين ومؤكدين رفضهم لذلك الشعار الغريب الذي يرفضه الغيارى. كانت ردة فعل تترجم ما يكنه الغيارى بقلوبهم لقيادتهم ونهوضهم من على مقاعدهم تأييدا لقائدهم وتعبيرا عن تمسكهم به. كان موقفا يجعل العين تدمع من حرارة التلاحم والتوافق بين الشعب والقيادة.
وقد كان واضحا مدى تأثر جلالته الإنسان إذ اغرورقت عيناه وهو يقرأ الوجوه والعيون ويتلقى البيعة والتأييد والإلتفاف من قبل الحضور. فقد كان حديثه من القلب مباشرة ولذلك دخل قلوب الحاضرين والمشاهدين معا دون عناء حيث القلب أجدى من العقل أحيانا. وأنا كاتب هذه السطور لم أستطع حبس دمعتي من مهابة لحظة الحقيقة المؤثرة لشدة التأثر والشعور بعظم الحاجة لاحتضان مليك أحببناه وأحبنا.
ذلك ما أكدنا عليه مرات عديدة مرسلين رسائل لجلالته أن شعبه الغيور يحيط به. إحاطة تستلزم أسباب الديمومة والصون حتى لا تتفرق وتتمزق بفعل التراكمات الحياتية الصعبة. فبداية الحراك كانت مطلبية متعلقة بالفساد والإقتصاد والعدالة الإجتماعية. وحقيقة, المواطن العادي لا تهمه كثيرا مطالب الأحزاب والمعارضة المغرقة بالمثالية لأنها لا ترفع من مستوى معيشته, ولا تعود بالأسعار للوراء, ولا تدفع عنه رسوم أبنائه الجامعية العالية, ولا تخلق وظائف للشباب الذي ضاق ذرعا بكل شيئ حتى الإستسلام, ولا تعيد للمواطنين أموالهم التي لم يُسأل سارقوها بعد, لا بل الإحتقان يزداد والتذمر يرتفع ولا بصيص أمل بقرب الإنفراج.
وما تم إنجازه من خطوات باتجاه الإصلاح تنسجم وتتفق مع المعارضة بالدرجة الأولى لكنها لم تلبي مطالب الحراك الأساسية بالوصول لحلول اقتصادية واجتماعية مريحة تخرجه من زحمة وظلمة الإلتزامات المرتفعة التكلفة. والواقع يشير إلى أن من ركبوا موجة الحراك هم الذين لهم نصيب الأسد بما هو جديد في عالم الإصلاح. وهم أنفسهم من جيّروا الزخم الحراكي باسمهم سعيا خلف مطالبهم الخاصة التي لا نتفق عليها جميعها وأصبحوا قادته وهم من تصدروا المشهد المطالبي حتى صعبت رؤية المطالبين الأساسيين بمطالب كان يمكن تحقيقها لو توفرت النية الصادقة والجدية والشعور بمستقبل الوطن وأبنائه.
وما سمعناه من جلالة الملك من إقرار بمعرفته بالمواطن الأردني حين ذكّر بتواجده بين من شاركهم شرف الخدمة بالقوات المسلحة ومعاشرته لكافة أطياف الشعب الأردني, يؤكد معرفة جلالته التامة بهموم الناس ومنغصاتهم والتزاماتهم وأعبائهم. وهذه المعرفة كفيلة وملزمة للدفع باتجاه تحقيق مطالب المواطن العادي الباحث عن فرصة عمل والموظف البسيط الطامح لزيادة على راتبه الذي لا يكفيه والجندي المرابط والساهر الذي يتمنى امتلاك بيت أو التمكن من الزواج قبل سن الثلاثين. وكذلك المزارع الذي لا ينام ليسوق منتوجه أمام المنافسة من قبل المنتوج المستورد. فما يتوقعه المواطن العادي هو أن يرى الدفع يسير باتجاهه والإصلاح يطاله وتوجه الدولة العام به صالحه. أصدقك القول جلالة الملك أن المواطن الحراكي العادي لم يلمس أن جزءا من مطالبه الحياتية الشرعية قد تحقق.
وهناك الصحافة التي تنتظر فك قيدها أو التخفيف من الرقابة عليها إذ الصحافة الحرة المسؤولة هي المطلب ولا ديموقراطية بغياب صحافة تراقب وتعكس وتكشف وتعالج ما يدور بالمجتمع والدولة. وما الصحافة إلا السلطة الرابعة المكملة للسلطات التقليدية الثلاث وسميت سلطة لتأثيرها الإيجابي إذا انضبطت ولخطورتها إذا انفلتت لكن لا نتوقع من الإنضباط أن يكون خانقا وقيدا يحد من تمرير رسالتها وممارسة سلطتها. فلنسمع من صحافتنا ولا نسمع من صحافة خارجية لأن ما يحجب داخليا من السهل جدا كشفه من قبل مصادر خارجية.
والصحافة كفيلة بفضح الفاسدين الذين يلوذون بالفرار والذين يدفعون بسخاء للنجاة والذين سيدفعون بسخاء أكبر ليُدخلوا أزلامهم مجلس النواب. وهناك المتفوقون الذين لا تهتم بهم الدولة بينما أبناء المتنفذين بتدني تحصيلهم يبتعثون لأرقى وأعرق الجامعات الغربية. وهناك الذين تتم معالجتهم على نفقة الدولة بأكثر المستشفيات علمية وتقدما وفي الوقت نفسه المواطن العادي أحيانا كثيرة لا يحصل على الدواء بسبب عدم توفره والأردن من الدول ذات الباع الطويل بصناعة الدواء وتصديره فكيف لا يتوفر الدواء وأين يختفي؟؟ أليس هذا الحال يستحق الدرس وإعادة التنظيم لتعطى الأولوية للمواطن؟؟ ولا ضير بعد ذلك من تصدير الفائض أو التبرع به.
وهناك الوزراء وأصحاب المناصب العليا الذين لا تستطيع مقابلتهم أو التحدث إليهم بينما ليس صعبا أن تقابل رئيس الولايات المتحدة وبمنتهى رحابة الصدر لأنه يعلم بقرارة نفسه أن المواطن هو السبب بوصوله لموقعه وبالتالي لزاما عليه سماعه والإصغاء له. وقد قيلت على مسامعنا في الغرب من قبل موظفين صغار وكبار أنهم موجودون لخدمة المواطن ولولا المواطن لما وجدوا بمواقعهم. فطالما المواطن هو السبب بوجوده بوظيفته فهو أيضا السبب بإزاحته. وهذه علاقة حتمية بين الموظف مهما كان موقعه والمواطن مهما كان حجمه وعليه فرئيس الحكومة موظف وعامل الوطن مواطن. ما نصطدم به أحيانا كثيرة, ربما لسوء طالعنا, الشعور بالإتهامية والتعامل بالفوقية وتعقيد الأمور بدل التسهيل والمساعدة إذا ساقنا القدر لدخول دائرة حكومية.
بالنهاية لا نملك إلا الدعاء لله سبحانه أن يحفظ الأردن وقيادته والغيورين من شرور الأشرار وتدبير المدبرين وتآمر المتآمرين. ونسأله تعالى أن يُبقي الأردن ينعم بنعمة الأمن والأمان والإستقرار ولا يحرمنا منها جنبا إلى جنب مع قيادتنا وأجهزة أمننا والغيارى على الأردن الوطن.
وحمى الله الأردن والغيارى على الأردن. والله من وراء القصد.

اضافة اعلان

[email protected]
راتب عبابنه


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة