السبت 2024-12-14 11:16 ص
 

‘ أسماء وحرقة الأسئلة ‘ للشاعر صالح الحربي

12:30 م

الوكيل - في طبعة ثانية أنيقة أصدر الشاعر السعودي صالح الحربي ‘أسماء وحرقة الأسئلة’ عن دار فراديس بالبحرين 2013، وهي قصائد تسعينية ( 1990 / 1993) تسيدت عنوان الغلاف كما الديوان بسبعة عشر اسما نسائيا احترق بها الشاعر في انتظار انتقال عدواها إلى القارئ، هي أسماء نكرة، لكنها تعج في ذاكرة الشاعر حيث أشعل من خلالها أسئلة وجودية معجونة بشحنات عاطفية انصعق بها على مر محطات زمانية ومكانية هو أدرى بالتباساتها، حيث الحزن الطافي باندلاق الخيانة وعسر هضم ما تبقى من حياته، كما في نص ( وفاء) : ثمة حزن / عالق / ثمة خيانة / بلغت/ إلى حلقي/ كيف أمضغ/ ما تبقى من الأيام…؟ ص 43.اضافة اعلان

الحزن، إذن هو التيمة القرينة بصفة أي شاعر، وحيث تطل الأنثى يعقبها الحزن، سؤال قديم قدم الشعر، عربيا وأعجميا، كما لو أن الشاعر يستكنه في دواخله جرحا أزليا منذ هبط آدم من الجنة خائبا، لن يرتوي منه أبدا ولو اتكأ على انتظاره كل الزمن، الأنثى هي خطيئته الأولى والأخيرة وما بينها تسقط المشاعر صرعى، في نص ( رحاب) يقول: عند بوابة / الحزن / انتظرت كثيرا/ فلم أر/ إلا …/ الجنائز خارجة. ص 48.
هكذا صارت حياة الشاعر الحافلة بلذة أليمة وهو يسقط في نشوتها التي لا فكاك منها لاختبار أسماء عدة تختلف بتلويناتها العاطفية والشخصية، وعلى عادة الشعراء الأقدمين، لا يبرح الشاعر هنا إلا أن يكون مثل الزجاج المكسور الذي لا يتشبع بشمس لا تمهل، فقلبه من زجاج شفيف لا يحجب امرأة ولا ينحجب لضوئها الثاقب، سرعان ما يتصدع لكنه يبقى وفيا لا يشع إلا إذا انشق وتفتت سقوطا، يقول أيضا في نص (حكيمة): ضوء يثقب/ قلبي/ خاصرتي/…/ تتجلط دمائي/ أتألم/ أترنح/ أسقط/ في بركتك. ص 51.
وهذا ما يبرر سر جنون الشعراء بفيزيائية الحب وخيمائيته، فكل منهم يزعم وصلا بليلى حتى غدت ليلى، في عرف التلقي العربي، معادلا وجوديا وشعريا لجنون الحب لديهم، متاعهم الموبوء، وجريرتهم الجميلة الأليمة في ذلك هي النظرة الأولى، البصمة التي ستلتصق بهم كتهمة أبدية، ( ليلى): عندما نظرت/ إليك/ أول مرة/ عرفت/ كيف أصيب/ قيس بن الملوح/ بالجنون. ص 54.
يواصل صالح الحربي تذكيره لنا، وحتى لا ننسى، ولكن بوعي شعري حاد قلما ينتبه له قارئ عجول، بالأسئلة ذاتها وهي تلتبس بحضور الأنثى، هذا الكائن العصي المتأبي أكثر فأكثر في التجلي الشعري، فأنثى القصيدة ليست هي امرأة الحياة اليومية، إنها تلك الأيقونة التي لطالما ركض وراءها الشعراء كسراب ليستريحوا من وعثاء القصيدة، فهي الملهمة، والانتظار الصعب والوجه المناور كحرب، يكون فيها الشاعر دائما هو الخاسر، ففي نصوص (منى- هيفاء- لبنى- أمل) تطغى تيمتا الانتظار والخسارة في حضرة الشاعر وهو يحفر بلا هوادة في حجرها الصلد مرات ومرات لعل ماء العشق، ماء الشعر ينبجس، لكن بلا جدوى، فلولا الانتظار ما احترق شعرا وأسئلة، إنه قدر مأساوي دوار دورة حياته، لا يفتأ يحاصره ويتودد له للظفر بلحظة حميمة حقيقية، لكنه لا يجني سوى التلاشي والأفول، في نص ( منى) يقول: نحتفل/ كل سنة/ بشيء/ نظنه/ الحب/ العشق/ إنه ظل يتلاشى/ يتلاشى. ص47.
ومهما يكن فللشاعر انتصار صغير في عز هذا الرماد، إنه، ورغما عن كل شيء، مريد الأنثى التي يدين لها بكل شيء، فهي ملهمته وعرابته في زمن تهافت الشعراء على الأنثى/ الساقية الصقيلة لجنائنه، ليينع بسؤاله مستعجلا بقطاف مثمر؛ ويطل علينا هنا باسم أجنبي وحيد هو (كاترين) كمؤشر على تعدد تجاربه التي ابتلي بها وهو يجوب باحثا عن يناعة ظليلة تطفئ حرائقه : على شفتي/ تدلت/ عناقيد الكلمات/ يا ترى/ من / يحصد الثمار؟؟ ص 58.
هكذا اكتوى الشاعر صالح الحربي بنيران صديقة لأسئلة لها حضور أنثوي باذخ لم تخطئه فوهاتها، كيف لا، وهو شاعر نبت في تربة تأصل فيها شعراء صحت فيهم مقولة قوم إذا عشقوا ماتوا؛ هي قصائد بكلمات قليلة لكنها كثيفة كثافة السؤال كما هو في عرف القول والمقول في جميع خطاباتنا، يومية أو فلسفية… لكنها هنا بمذاق السؤال الشعري، وهذا هو الأجمل والأندر.
كاتب مغربي


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة