السبت 2024-12-14 04:48 ص
 

الأردنيون ممولو الخزينة العامة

07:34 ص

ثمةَ مبالغة كبرى في تقدير دور المساعدات الخارجية في تمويل الإنفاق العام؛ فالأرقام التي تقدمها وزارة المالية للموارد العامة تُظهر أن الأردنيين يمولون موارد الدولة من الضرائب والأموال العامة. ويبدو أيضا بوضوح، استنادا إلى ملاحظات ومصادر حكومية، أنه يمكن تحقيق وفر مهم في الموارد العامة، لو جرت إدارة حازمة للتهرب الضريبي والإعفاءات والتسهيلات غير العادلة التي تمنح لشركات كبرى لا يستفيد منها الصالح العام. وفي الوقت نفسه، فإنه يمكن إعادة تنظيم وتوزيع الإنفاق العام باتجاه الأولويات والمصالح والخدمات الأساسية، ما يجعل المستوى المعيشي للمواطنين جيدا حتى مع انخفاض مستوى الدخل؛ إذ إن تخفيض فاتورة التعليم والرعاية الصحية والاجتماعية على المواطنين، سوف يخفف عبء الإنفاق عليهم بنسب تتراوح، كما يقدرها البنك الدولي، بين 25 و50 %.

اضافة اعلان


هناك متوالية من الفشل تحتاج إلى تتبع وتفكيك. ففي غياب أو تغييب الحلقات المتصلة ببعضها في تنظيم الموارد والإنفاق والعمل العام، 'يدوخ' المواطنون ويفقدون المعرفة والقدرة على التمييز والتأثير في اتجاهات السياسة العامة والمالية للدولة والأسواق، بما هي مورد أساسي للخدمات وصارت الشريك الأكبر في تنظيم وتصميم حياة المواطنين.
عندما يفشل الأداء العام في الخدمات الأساسية، مثل التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية، ينمو القطاع الخاص ليوفر هذه الخدمات، ويصير المواطنون يدفعون ثمن الخدمات مضاعفا؛ فهم يدفعون للحكومة ثمن الخدمات التي لا يستفيدون منها، ثم يدفعون أضعافا مضاعفة للحصول على الخدمات نفسها التي لم توفرها الحكومة، برغم أنها جمعت الضرائب من المواطنين؛ جمعتها بكفاءة من الطبقات الوسطى والفقيرة، وتقاعست في جمعها من الأغنياء، لأن التهرب الضريبي يقوم به أغنياء ومتنفذون، أما تهرب الفقراء فهو بنسبة ضئيلة لأنهم لا يملكون ابتداء ما يهربونه.


لكن تنشأ أيضا مصالح تقوم على فشل القطاع العام. وتنشأ سياسات للتأثير باتجاه الإفشال والتعطيل في القطاع العام. ثم تنشأ تحالفات بين نخب بيروقراطية ونخب تجارية لتسوق السياسة العامة والتشريعات لصالح فئة قليلة من المواطنين، وتتحول الامتيازات والإعفاءات والاحتكارات الى حالة محمية بالتشريعات والسياسة، وتتحول المجتمعات إلى الإذعان والاستضعاف أمام فئة تفرض عليها الخدمات بمستوى من الأسعار والجودة يقل كثيرا عما تدفعه. وأسوأ من ذلك أنه يجري أيضا استتباع أو إضعاف النقابات ومنظمات المجتمع المدني، وتصبح المجتمعات في مواجهة غير متكافئة مع السلطة والشركات من غير أدواتها الأساسية في التأثير والمعرفة، مثل وسائل الإعلام والمنظمات الاجتماعية.


لم تُطرح في إدارة الموارد وإنفاقها مسائل مثل التهرب الضريبي والإعفاءات غير العادلة من ضريبة الدخل، والتسهيلات والامتيازات التي تمنح لفئات وأشخاص، واتجاهات الإنفاق العام... ويغلب على الأفكار والاتجاهات والحلول الاستخفاف والاستضعاف والاستقواء.


بطبيعة الحال، فإن العمليات السياسية والاقتصادية (ويشمل ذلك الديمقراطية) هي تَدافُع بين المصالح والطبقات حول التأثير في إدارة الموارد والسياسات؛ هي صراع اجتماعي اقتصادي ليس في مبتدئه أيديولوجيا أو فكر عشائري أو جهوي... فلن تؤيد الشركات الكبرى زيادة على ضريبة الدخل، سواء كان أصحابها ليبراليين أو يساريين أو محافظين؛ متدينين أو غير متدينين وسوف تستخدم نفوذها لتخفيض الضريبة. وفي سياسة الإنفاق العام، تسعى كل فئة إلى دفعه باتجاهها. وهذا يفسر اتجاهات بناء وصيانة الطرق والجسور والأنفاق والمدارس والجامعات والمستشفيات. وبالطبع، لن يطالب أصحاب الرواتب العالية، من أي اتجاه فكري أو أيديولوجي، بتخفيض الرواتب؛ ولن يتطوع أصحاب المصالح والمهن المتهربون من الضريبة بتقديمها بأنفسهم أو الموافقة على إدارة فاعلة لتحصيلها مهما كانت اتجاهاتهم الأيديولوجية والسياسية أو انتماءاتهم العشائرية والمناطقية.


الإصلاح ببساطة، هو أن تكون المجتمعات والطبقات قادرة على التأثير في السياسات والتشريعات باتجاه مصالحها على نحو متوازن وعادل. وفي هذا الصراع تحتكم الأطراف إلى البرامج والأفكار لأجل التسويات وإدارة الصراع؛ بمعنى أن الأفكار والبرامج هي محصلة للصراع وليست منشئة له. لكن يجب أولا أن تكون هناك مجتمعات وطبقات تدرك وجودها وتراثها ومصالحها، وتملك مستقلةً مؤسساتها الإعلامية والتنظيمية التي تعكس تطلعاتها.


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة