قبل أسبوعين تقريبا، شهدت بيروت مؤتمرا لمناقشة إشكاليات الإعلام العربي. ومنذ أيام فقط، اختتم في دبي منتدى الإعلام العربي، وسبقه بقليل مؤتمر يحمل عنوانا مشابها في الكويت. وفي كل يوم تقريبا، تشهد عاصمة عربية أكثر من فعالية متخصصة لمقاربة أزمات الإعلام العربي والدور الذي يلعبه، في هذه المرحلة التاريخية العاصفة التي تمر فيها الأمة.
يحتشد في مثل هذه المؤتمرات والمنتديات إعلاميون من شتى الوسائل والمشارب. ويحضر أصحاب القرار في الصحف والفضائيات، والناشطون في الصحافة الإلكترونية. وفي جلسات تمتد لعدة أيام، نسمع من نجوم الشاشات، وكُتاب الأعمدة، وصناع الأخبار خلف الكواليس، ورؤساء التحرير، تحليلات راقية ومعمقة لحال الإعلام العربي؛ بصحفه وشاشاته ومواقعه الإلكترونية.
ويقضى الصفوة منهم ساعات في تشريح مخاطر الإعلام الموجه لخدمة الطائفية والهويات الدينية والإثنية، ومخاطره على وحدة الشعوب والسلم الأهلي، ودوره الهدام في تأجيج النزاعات والفرقة ونشر الكراهية والبغضاء.
ولنا هنا أن نستثني من مشهد المنتديات والمؤتمرات، اللقاء النوعي الذي نظمه معهد الإعلام الأردني مؤخرا، وحمل عنوان 'خطاب الكراهية في الإعلام'؛ فقد بدا بالفعل حدثا استثنائياً؛ وقف على الظاهرة الخطيرة، وناقشها بشجاعة وعمق.
هل تصدقون أن ندوة إعلامية في بيروت ناقشت هذه العناوين باستفاضة؟ بيروت التي لا تجيد فضائياتها وصحفها، باستثناءات محدودة جدا، غير خطاب الطائفية وكراهية الآخر.
في دبي أيضا حضر نجوم الإعلام الطائفي البغيض، وكُرموا بحفاوة بالغة. وليس مستبعدا أن تكون طهران قد نظمت مثل هذه المؤتمرات، وكرمت بعضا من رموز الكراهية على شاشاتها المستعربة. والمؤكد أن منتديات مماثلة في القاهرة تحرص، هي الأخرى، على الاحتفاء بالرداحين من نجوم الـ'توك شو' على فضائياتها.
المشهد يثير السخرية حقا؛ ذات النجوم وأصحاب الأسماء الرنانة الذين يصدّعون رؤوسنا بالتنظير، يعودون في اليوم التالي لمحطاتهم وصحفهم ليتحفونا بخطاب إعلامي يحض على الطائفية والعنصرية. القلم في أيديهم يتحول إلى خنجر مسموم، والشاشة إلى منصة لإطلاق الصواريخ. وإذا كان الساسة على طرفي الصراع قد تلطخت أيديهم بدماء ملايين الأبرياء، فإن في العالم العربي اليوم فضائيات وصحفا تغرق بالدم، وتقتل من الأطفال والنساء على مدار الساعة، وعلى الهواء مباشرة، ما يعادل أضعاف ما يسقط في ساحات الحروب المجنونة.
في قاعات المؤتمرات، يخيل إليك أن المتحدث موظف إغاثة أو متطوع في منظمة إنسانية، بينما هو في غرفة الأخبار قاتل محترف، يتفنن في صياغة الرسائل الأشد فتكا وتحريضا؛ يدوس على رقاب المهنية والموضوعية وميثاق الشرف الصحفي من دون رحمة، ليبرر لسيده ومموله القتل على الهوية، واستباحة الأعراض وسبي النساء، وتهجير البشر عن ديارهم؛ دفاعا عن حامي البلاد ووحدتها، وفي مواجهة المشروع الصهيوني والإمبريالي والاستعماري. ولك أن تضيف ما شئت من المصطلحات الفخمة.
ولا يتورع إعلامي أخذ على عاتقه قول الحقيقة والانحياز للقيم الإنسانية، عن الحديث لساعات، والكتابة لأشهر متتاليات، عن الفروق العظيمة بين 'داعش' و'جبهة النصرة'، وكيف أن الأخيرة أرحم من الأول. ولا يفوتك حديث لإعلامي يحرص كل الحرص على التمييز بين سحق البشر على يد النظام السوري، بوصفه عملا من أعمال الضرورة، لا يقارن مع ما ترتكبه العصابات الإرهابية.
في نهاية المطاف، نجد أنفسنا أمام إعلام يجيز القتل بدرجات. وبهذا المعنى، يصبح شريكا في الجرائم. والإعلام العربي اليوم قاتل بامتياز، ويستحق المحاكمة من الشعوب.
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو