الجمعة 2024-12-13 12:33 ص
 

الباحثون عن أنصار !

10:49 ص

كنت طفلا عندما شاهدت دموع ابي لأول مرة، وكان ذلك في الخمسينيات من القرن الماضي، وفي موسم الزيتون الذي يحتشد فيه عدد كبير من العاملين سواء في المعصرة او في فرز حب الزيتون، وحين فوجئت امي اكثر مني بدموع ابي سألته عن السبب، فأشار الى فتاة نحيلة كانت تعمل كالاخرين، وقال لأمي انه عرف بأنها من قرية قاقون التي دمّرت عام 1948 وشهدت معارك ضارية، واذكر كلمات ابي التي ردّ بها على امي كما لو انني اسمعها الآن، واحس بالزفير الذي يشحنها ، فقد قال انه لا يبكي على تلك الفتاة فقط بل على اصغر بناته وكانت تلعب مع الاطفال وهي تشعر بالامان تماما كما كانت تلك الفتاة تفعل في طفولتها قبل عام 1948.اضافة اعلان

ومرت الايام والاعوام، لأسمع وانا طالب في القاهرة عام 1967 بعد حرب حزيران اذاعة لندن وهي تقول بأن سلطات الاحتلال تطلب من بعض المدن والقرى ومنها قريتي رفع الرايات البيضاء، عندئذ شعرت بالاختناق وتخيلت انني سوف اعود من القاهرة لأبحث بين الخيام عن اختي وسواها من ابناء عائلتي، لكن ما حدث وهو امر جلل، ان اخي الاكبر هدد كل افراد العائلة بسلاحه الذي فقد هدفه قائلا لهم انه سوف يفرغ ما فيه بمن يحاول الفرار او اللجوء الى اي مكان خارج الدار. وكان له الفضل في انني لم ابحث عن افراد عائلتي بين الخيام وادركت انه اعتبر من الدرس الاول عام 1948 حين عومل اللاجئون بشيء من القسوى حتى في ما تبقى من فلسطين، ولو توفر لكل الناس مثل ذلك الخيال الذي دفع ابي للبكاء على ابنته قبل وقوع الكارثة او لأخي الذي منع افراد الاسرة من مغادرة الدار لاختلف المشهد كثيرا .
تذكرت دموع ابي وسلاح اخي الذي تحول هدفه وانا اشاهد ما يجري لللاجئين العرب وكيف يجازفون بأطفالهم وهم يركبون البحار بحثا عن انصار، اما الذي جرى للاجئين السوريين مؤخرا في لبنان، فهو ما لا يطيقه القلب، خصوصا منعهم من التحول ليلا بعد الساعة الثامنة او تسخيرهم للعمل مجانا يوما في الاسبوع .
ان من فعل ذلك ليس لبنان الذي نعرف ونحب، ولا يمكن الحكم بالجملة على بلد وشعب؛ لأن هناك من خذلوا كرمه وتاريخه وانفتاح آفاقه في كل الازمنة !!
 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة