الجمعة 2024-12-13 12:37 ص
 

الطفل الرقمي

12:54 م

«صديقي الصغير» إبن الثلاث سنوات ونصف السنة الذي يحمل اسمين :«رواد»، و«أحمد»، يفتح شريط ذاكرتي ويعود بي الى الوراء عشرات السنوات..الى مرحلة الطفولة ،وللمصادفة فقد كنت في تلك المرحلة أحمل اسمين أيضا !اضافة اعلان


وقد يضحك من يقرأ المقال من معلومة أن صديقي « ممنوع من السفر»، وهذه حقيقة وليست نكتة ! ليس لاسباب أمنية أو ل»شبهة التطرف» والارتباط بجماعات تكفيرية، ولكن ذلك مرتبط بخلافات أسرية.

وعلى سبيل المقارنة، فإن المسافة هائلة بين الطفولة القاسية التي عاشتها أجيال عديدة ،عبر قرون من الزمن وبين طفولة ال»خمس نجوم» التي يعيشها «رواد» ، حيث تتوفر له وسائل الرفاهية واللهو والألعاب، بأشكال وأنواع يصعب حصرها، أو تلك التي تتوفر في الاماكن العامة مثل المولات والحدائق العامة ، وما يترتب على استخدام تلك الالعاب من تأثير في سلوكيات الأطفال ، بينما عاشت أجيالنا طفولة بسيطة بائسة وقاسية، حيث لم تكن تتوفر وسائل الرفاهية والألعاب التكنولوجية، وكنا نعتمد على أنفسنا في إنتاج ، وممارسة الألعاب مثل «طابة الشرايط» وصناعة «سيارات من الاسلاك « ،ولعبة «طاق طاق طاقية.. رن رن يا جرس.. محمد راكب على الفرس.. و الدبة وقعت في البييير « البئر « و..وصاحبها واحد خنزير...»..وغير ذلك من الألعاب الشعبية ! صديقي وجاري «رواد» تربطني به علاقة مميزة ، يزورني يوميا تقريبا ،وهو شعلة ذكاء ويتميز بخفة الدم والحيوية، يفتح «الايباد» والموبايل والتابلت ،لوحده ويبحث عن ما يهمه من ألعاب رقمية ، ويذكر لي أسماء ألعاب لم أسمع بها ، مثل لعبة «سبايدرمان « Spider Man ، وأحيانا يطلب مني استخدام الكمبيوتر ، فيمسك الماوس ويبحث عما يهمه،ويلفتني أنه يهتم بمشاهدة فيديوهات عن بعض أنواع المواشي والحيوانات! ويسألني أحيانا ماذا أعمل وأنا جالس أمام الكمبيوتر ، فأجيبه أكتب مقالا..فيرد علي بنباهة: لماذا فاتح التلفزيون ؟! ولا استبعد أنه بعد سنوات ومع تسارع وتيرة التكنولوجيا ،أن تستخدم أجيال» رواد» أجنحة للطيران !

أيام زمان كنا نلتقط صورة بالمناسبات ، وبعد أن نصل الى المرحلة الثانوية ، وغالبا يطلب منا الحصول على وثيقة رسمية ،مثل إصدار شهادة مدرسية أو الحصول على بطاقة هوية،أو جواز سفر! وكان التقاط الصور يتطلب منا الذهاب الى الاستوديو، الذي يتوفر في المدن فقط كما أذكر، فنحن في منطقة الاغوار الوسطى مثلا، كنا نذهب الى استوديو تصوير في مدينة السلط ، وكان أصحاب الاستوديوهات يحرصون على اقتناء جاكيت وربطة عنق، لكي يلبسها الزبون ،لانه غالبا يحتاج الى صور تصلح لوثائق رسمية ! وفي سنوات لاحقة أصبح بعض الاشخاص «الميسورين» يشترون كاميرات للاستخدامات الشخصية والعائلية،لكنهم يضطرون للذهاب الى الاستوديو لتحميض الافلام وطبع الصور !

أما بالنسبة ل «رواد» وجيله فحدث ولا حرج، بالنسبة لالتقاط الصور باستخدام الاجهزة الرقمية، فهو صاحب وجه يبتسم للكاميرا ، وفي كل يوم يتم التقاط عشرات الصور أو الفيديوهات له ،بواسطة الموبايل أو «الايباد « ، ويتم تخزينها في ملفات رقمية بدل «البومات» أيام زمان ، ويستطيع هو وعائلته وأصدقاؤه مشاهدتها، في أي وقت دون حاجة الى طبعها في استوديو ، بل يتم استخدامها وتبادلها عبر وسائل التواصل الاجتماعي!

ورغم نعمة التكنولوجيا والألعاب التي تنتجها للأطفال، وما توفره لهم من متعة وتنمية للخيال ، فإن مختلف الدراسات تؤكد وجود سلبيات عديدة وأضرار صحية ،لادمان الاطفال على استخدام الاجهزة الرقمية.

وتتفاوت آثار تلك الاجهزة حسب نوعية الألعاب، فتختلف بين ألعاب الصراعات والحروب وبين ألعاب الذكاء والتركيب، وغيرها من الألعاب التي تنشط الذاكرة، ، لكن خبراء الصحة يحذرون من مخاطر إدمان الاطفال ،على الاجهزة الرقمية والكمبيوتر في الدراسة واللعب ، وما قد تسببه من إصابات الرقبة والظهر وامراض ،كالتشنج في عضلات العنق بالاضافة إلى أوجاع أخرى في العضلات ،التي تظهر من الجلوس المطول وغير الصحيح. واستخدام الاجهزة الرقمية كثيرا يترافق بانحناء في الرأس والعنق، أما جهاز التلفاز فهو يعد الوسيلة التكنولوجية الأكبر والأكثر تأثيراً صحيا على الطفل، فإدمانه يؤدي إلى السمنة والعزلة والكسل والخمول الجسدي والفكري والهذيان الذهني، بل يصبحون أكثر أنانية وشحاً في تعاملهم مع جيرانهم ويميلون إلى العدوانية المفرطة.

ما أجمل الحياة ، لو كان سكان الكرة الأرضية تحت سن العاشرة.. مجتمعات بريئة أولويتها المرح واللعب،خالية من النكد والمؤامرات والصراعات والحروب !

 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة