الجمعة 2024-12-13 12:44 ص
 

العقوبات الأميركية الجديدة: هل فاض الكيل بـ «بوتين»؟

10:48 ص

لم يكن سهلاً على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين..ربما، أن يُظهِرغضبه المُفرِط إزاء العقوبات الاقتصادية التي وردت في قانون أقرَّه الكونغرس الأمريكي مؤخرًا، ليقول في تحذير يرتقي إلى التأكيد والجزم، بأنّ موسكو ستردّ على «وقاحة» واشنطن. ثم يعود ليُذكِّر: بأننا نتصرّف بشكل مُتحفّظ جدًا وفي غاية الصبر، ولكن –يُواصل- في مرحلة ما، يجب أن نرد، لأنّه من المستحيل التسامح إلى أجلٍ غير مسمّى مع «الوقاحة» التي يتعرّض لها... بلدنا.اضافة اعلان


صحيح أنّ بوتين لم يُسارِع للإعلان عن الردّ الروسيّ العمليّ على العقوبات التي أقرّها الكونغرس، والتي وصفَها رئيس مجلس النوّاب بول راين: بأنّها «أوسع عقوبات في التاريخ»، وشملَت بالإضافة إلى روسيا، إيران، وكوريا الشمالية. إلا أنّه صحيح أيضًا، أنّ الهجمة المُنظّمة التي تُشارِك فيها دوائر وهيئات ومؤسسات أميركية نافذة، لشيطنة روسيا والتي تقترب من كونها بالفعل «هيستيريا معادية للروس» في أوساط النخبة السياسية والحزبية والأكاديمية، والعسكرية ومراكز الأبحاث، وخصوصًا «حزب الحرب» المُمسِك بقوّة في مفاصل الحياة الأميركية, وبالذات إدارة ترامب، التي يَتواصل تفكّكها واهتزازها وارتباكها، على نحو يزيد من احتمالات سقوطها وتحديدًا إذا ما أقدم ترمب على إقالة وزير العدل(سانشيز), أو المحقق الخاص(مولر) في مسألة العلاقات المزعومة فريقه والروس خلال الحملة الانتخابية الرئاسية, فإنّ استمرارها –الهجمة الأميركية- بهذا الزخم والتصاعد, كفيل بإيصال العلاقات بين موسكو وواشنطن إلى نقطة اللاعودة بكلّ ما يعنيه ذلك من احتمالات وتغيير في قواعد اللعبة بينهما، والتي وإن بدت وكأنّها وصلت إلى الحضيض,، إلا أنّها ما تزال قابلة للجسر رغم أنّ الطرفين يصفانها بأنّها في أدنى مستوياتها منذ انتهاء الحرب الباردة، ورأينا كيف أنّ اللقاء الأول في هامبورغ الألمانية الذي تمَّ بين بوتين وترمب على هامش قمة G20 قد أسفر على توافق بينهما على إقامة خفض التوتر في الجنوب السوري، والتي ما تزال صامدة وواعدة بإمكانية نضوج ظروف مماثلة بينهما، لتقديم خيار الحل السياسي للأزمة السوريّة على منطق الحرب ودعم المنظّمات الإرهابية والمناداة بتغيير النظام السوريّ، كما دأبت عليه الدبلوماسية الأميركية، سواء في عهد أوباما أم في إدارة ترمب. حيث كان الأخير قد أطلق تصريحًا في هذا الشأن, يشي بأنّ ادعاءه دعم بلاده للحل السياسي للأزمة السوريّة, وأنّ واشنطن معنية بمحاربة داعش وليس تغيير النظام, ليس سوى ذر للرماد في العيون ومراوغة, تستهدف شراء المزيد من الوقت لفرض حقائق ميدانية. يظنّ أركان إدارة ترمب أنّهم قادرون على فرضها بعد انتهاء معركة تحرير الرقّة. وهي في الحقيقة لا تعدو كونها مجرّد أوهام وخداع أميركي للذات, وما تصريح أحد الجنرالات الأميركيين بأنّ روسيا قادرة على «طردنا» من سوريا, سوى اعتراف علنيّ ومباشر بأنّ الوجود العسكري الأميركي في سوريا... غير قانوني وغير شرعي ومناقِض للقانون الدولي وتدخّل سافر يقترب من مرتبة الغزو, لدولة ذات سيادة عضو في الأمم المتحّدة.

ما علينا....

إذا كان الرئيس الروسي قد أبدى حرصًا في تصريحه الأخير الذي وصف نيّة العقوبات الأميركية الجديدة بأنّها «وقاحة», وأبدى أسفًا عن أن يتمّ « التضحية بالعلاقات الروسية الأميركية في سبيل حلّ قضايا سياسية داخلية», لافتًا إلى أنّ الدولتين اللتين تعملان بشكل منسّق» يمكن أن تحلّا مشاكِل صعبة جدًا في شكل أكثر فعالية», فإنّ ما أعلنته موسكو يوم أمس عن تخفيض عديد البعثة الدبلوماسية الأميركية لديها, ليصل إلى عدد مطابق تمامًا لدبلوماسييها لدى واشنطن, كذلك في «مصادرة» مَبنيَيْن تستخدمها و(تملكها أيضًا) السفارة الأميركية في روسيا, يؤشر ,ضمن أمور أخرى, أنّ صبر بوتين قد نفدَ وأنّ المهلة الطويلة التي منحتها لإدارة ترمب, كي تُصحَّح الأخطاء التي ارتكبتها إدارة أوباما عندما طردت عددًا كبيرًا من الدبلوماسيين الروس ومصادرة مباني تمتلكها السفارة في واشنطن وخارجها, لكنّها (إدارة ترمب) لم تفعل, بل تواصَل الجدل الأميركي الداخلي (الذي لا يعدو كونه صراع سياسي داخلي بين نخب «المؤسسة الأميركية») حول التدخّل الروسي المزعوم في الانتخابات الأميركية الرئاسية, والإدعاء ب»ميل»موسكو نحو تعزيز فرص ترمب على حساب هيلاري كلينتون التي دخلت حملتها هي الأخرى (يوم أمس) دائرة الإتهام بالتنسيق مع الروس (!!!).

من السابق لأوانه التكهّن بمدى التدهور الذي ستصله العلاقات الروسية الأميركية, وبخاصة أنّ موسكو تنتظر موقف إدارة ترمب من مشروع عقوبات الكونغرس الذي رُفِع إليها, لتُقرِّر رأيها (دستوريًّا) إلا أنّ استمرار حملة الـ»روسيافوبيا» وشيطنة الرئيس الروسي بوتين واعتباره أخطر من تنظيم داعش, كما يحرص على القول السيناتور الجمهوري المتطرّف جون ماكين (تشاركه دوائر أميركية عديدة أخرى), كذلك في إصرار البنتاغون الأميركي على وضع روسيا في موضع العدو الأول والأخطر على أميركا, باعتبارها «أٌقوى التحديات العسكرية», تؤشر كلّها إلى أن معسكر التوتير والدفع نحو القطيعة واستعادة أجواء الحرب الباردة, هو في أميركا الأقوى. وربما الأقدر على مواصلة «المعركة» إلى أن يربح الجولة كاملة, سواء في إطاحة ترمب وإجباره على الاستقالة, أم في استمالته وفرض شروط «حزب الحرب»والمواجهة مع موسكو على الرئيس, الذي ما يزال مستقبله السياسي غامضًأ ومفتوحًا على احتمالات عديدة ليس الأسوأ فيها... «التنحّي».

دون إهمال موقف برلين وباريس من العقوبات الاميركية,حيث قالت الخارجية الألمانية: انه لا يحق لواشنطن الإملاء على الشركات الأوروبية كيف تتعامل مع الشركاء الأجانب».. فيما رأتها فرنسا...»مُخالِفة للقانون الدولي».
 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة