السبت 2024-12-14 12:38 ص
 

الكاتب التونسي صلاح الدين بوجاه: التجريب فتح لعالم روائي جديد

09:28 ص

الوكيل - صلاح الدين بوجاه وجه من أبرز الوجوه الروائـية التي شغـلت الساحة الأدبـية في تونس وفي بلدان المشرق العربي خلال العشرين سنة الماضية. اضافة اعلان

فـبالإضافة إلى إصداره لثـمانية إعمال روائية وقصصية من بـينها ‘النخاس′ و’راضية والسرك’ و’سبع صبايا’ و’النهـر قرب المدينة’ أصدر مـؤلـفات في الـنـقـد الأدبي والروائي في طليعـتها كتاب ‘مقالة في الروائية’ (المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر/ بيروت 1992 ) وهو إلى جانب ذلك يدرّس الأدب والـنـقـد الحديث بكلية الآداب والعلوم الإنـسانـية بالقـيروان منذ حوالي ثـلاثـين سنة. وقد أتـيحـت لنا فرصة للالـتـقاء به ومحاورته حول جوانب مخـتـلـفة من تجـربته الروائية ورؤيـته للمشهد الروائي العربي المعاصر، وكان ذلـك في مـقهى من مـقاهي الحي الجديد الناشئ شمال مدينة القيروان حيث مازالت تصمد بعض أنواع النباتات البريّة في وجه الرياح وتـمـتـدّ السّباخ القريبة حالمة بالخريف والمطر ذات صباح من صباحات أواخر شهر آب/ أغسطس الأخير.
ـ القيروان ذاكرة وإلهام للسّرد
* تكاد تكون القيروان- مدينة وريفا- حاضرة في جل أعمالك الروائية.فهل يرجع ذلك إلى الذاكرة الذاتية أم إلى اِختيار ثقافي أشمل؟
*أشـير أولا إلى أنني قـضيت السنوات العشر الأولى من طـفولتي في ريف سـيدي فرحات (منطقة ريـفـية قريـبة من مدينة القيروان). وكانت مكتبة الوالد في ذلك الوقت بمثابة غـنم كبير بالنسبة إليّ. فكان الريف والصمت والكتب فضاء رحبا مكّـنني من الغوص في ذاتي والبحث عن أجـوبة خـفـيّة للإسـتـفـهامات الكبرى التي أحاطت بي مبكّرا. أما باقي العمر الذي يتجاوز الأربعـين سنة فـقد قضيـته في محراب القيروان المدينة المـفعـمة رخاما وترابا وأساطير…
ـ التجريب وأشكال روائية جديدة
* يرى بعض النـقاد أن ظاهرة التجريب قد طغت على روايتك الأخيرة ‘النهر قرب المـدينة’.فما هي الإضافة التي يقدّمها التجريب إلى النص الروائي في نظرك؟
* إن ظاهـرة الـتجريب ليسـت جـديدة بالنسـبة إلى مدوّنـتي الروائية. فـمنـذ نصوصي الأولى في طور الثمانيـنات من القرن الماضي اِعـتـنيت بهـذه الظاهرة عـناية جـلـية، فأصدرت ‘مدونة الاعترافات والأسرار’ التي تـعـتمـد أسـلوب المتـن والحاشـية ثم أصدرت رواية ‘النخاس′ التي تـسـتـند إلى شكـل الخبر، ثم تـتالـت أعـمالي الروائـية مثـل ‘راضية والسرك’ و’سبع صبايا’ و’النهر قرب المدينة’ فاستـقر عـندي شكل روائي ما يجمع بيـن القديم والجـديد ويعـتمـد التجريب ويستند إلى فتوح السوريالية.

في تـقـديـري أن جـملة المـظاهر التي تخـتـزل في غـياب ملامح الروائي وتـداخل الشخـصيات وتـشعـب الأحداث تـفـضي جـميعا إلى رؤية مخصوصة للعمل الروائي . لذلك أعـتـقـد أن التجريب يـسهـم في بـلورة أشكال جـديـدة تغـني الرواية وتضيف إليها الكثيـر . ويمكن أن نؤكد أن كل عمل جـديـد من هـذه المحاولات الروائية يعـتـبر تجـربة خاصة بل يقوم على الإسـتـناد إلى تجربة خاصة
وفي تـقـديـري أيضا أن الرواية عـموما هي فـن التجريب، فكـل نصّ روائي جـديـد يسـتـنـد إلى رؤيـة جـديـدة يـبلور ملامحها ويـتـوق من خلالها إلى الـتمـكن من بـلورة عالم جـديـد يجـمع بـين الفـنّي والدّلالي. وفي الإمكان العـودة إلى كـتابي ‘مـقالة في الرواية’ الصادر ببيـروت منـذ أكثـر من عـشريـن سـنة لـتأكـيد هـذه الفكـرة. فالـتجـديـد لـيس مرغـوبا فـيه في ذاته إنـما هـو باب من أبواب الإضافة التي يـبحث عـنها الكاتب والقارئ معا . لهذا في الإمكان أن أضع أعـمالي الروائـية ضمن مـسار تونسي يـمرّ بحـسن نصّر وعزالـدين المـدني والبشيـر خريّف، والمـدوّنة شاهـد على ما أقول .
ـ المزج بين الواقعية والرمزية
* يلاحـظ الـقارئ لمدوّنـتـك الروائية أنك تراوح بين النزعـتين الواقعية والرمزية . فهل يعـود ذلك إلى اِختيار فـنّي وأسلوبي ؟
* إن المراوحة بين الواقعـية والرمزية خيار فـنّي صريح . فالكـتابة عـندي سـليـلة تجارب قـديمة تعـيدني إلى الـبـدايات مع كـرم ملحـم كـرم ومحـمود المـسعـدي إضافة إلى الروائـيين التـونسـييـن المعاصريـن. كما أعـتـقـد أن المـدوّنة الروائية المصرية المعاصرة كانت أيضا ذات أثـر فعـلي في أعـمالي ونصوصي بـدءا بـنجيب محـفوظ ثـمّ صبري موسى إلى جانب محـمد البوساطي وخـيري شـلبي وأسماء أخرى عـديـدة يمكن أن يعود إلـيها القارئ باحثا عن جذور هذه السّلالة.
إن الواقعية والرمزية من المسـتـندات الواضحة في كتابة الرواية عندي والحق إنني لا أجد غضاضة في الجمع بين المتباعدات بل أجد فيها نكهة خاصة وليس للواحد منا إلا أن يعود إلى مدوّنة روائية معروفة هي مدوّنة أمريكا الجنوبية حيث يتجاوز الرمزي والواقعي والأسطوري- السحري.
إنني أرجع الأمر بالنـسبة إليّ إلى طـفولتي التي تـفـتّـقت رؤاها حول مـقام الولي الصالح ‘سيدي فرحات’. فـقد كانت نساء الأسرة تمجّـدن خوارق هذا الولي وأغـلبها من صنع خـيالهـن بـينما يـقـبل الوالد بالـنصح بالعـودة إلى المعـتـزلة وإخوان الصفا والتـوحـيدي. لذلك اكـتـشـفت أنه بإمكاني أن أعبر عن المـتـناقـضات بـل سعـيـت جهرا الى الإمـساك بالـمتـباعـدات لأنني أعـتـقـد أن إثارة الإشكالات الرئيـسـية لا يمكن إن يظفر بها الكاتب الا بالإقرار بالكثرة والتعدد والاخـتلاف والتهجـين. فالاخـتـيار القائـم على المزج بين الواقعية والرمزية اختيار أسلوبي ولكنه يقتضي مني إعمال شخصيتي ومعارفي الأدبية في اِنتظار ما لا يمكن انتظاره.
ـ جينات … تودوروف ومأساة النص العربي الحديث
* ماهي حدود العـلاقة بين الرّوائي والناقـد في تجـربتك الرّوائية وهل لخـلـفـيـتك النـقدية والأكاديمـية تأثـير في نصك الرّوائي ؟
* أعـتـقـد أن تأثـير الخـلفية الأكاديـمـية حاضر في أعمالي ونصوصي الروائية رغما عـنّي. لكنـني أودّ أن أُلـفـت اِنـتباه القارئ إلى أنني قـد أخـذت ممارسة الأدب بداية من السادسة اِبتدائي وكان الوالد يروي لي قصصا شـتّى ويطلب منّي أن ألخّصها أو أضيف إليها، بل أذكر أنني قد نَـشرتُ أوّل نصوصي في مجـلة ‘الفكر’ مـنذ السـنة الخامسة من التعليم الثانوي وكانت هذه المجلة ذات حضور وقـيـمة بالـنسبة إلى جـيلـنا وكان يصدرها الوجه السياسي المعروف محمد مزالي.
تـدريجـيا ومع نهاية المرحلة الثانوية وبداية تعليمي العالي صرت أُرسل نصوصي الى أغـلب المجلات التـونسـية وبعـض المجلات في المشرق العربي إلى درجة سـمحـت لـعدد من الـنـقاد اليوم بالقول أنـني معـروف في المشرق العربي أكـثر من المغرب العربي. والحق أن هذه المسائل جانـبـية، فما يعـنيني أساسا هو أن أُواصل الكتابة وأن أنـتمي إلى هذا الجـيل العـربي الّذي تغـلب عليه الفوضى بل توجه أغـلب أعماله.
لهذا بـدأتُ الإبـداع القصصي قـبل أيّ معـرفة أكاديـمية وأخـذت المعارف بالـتـدرج تـسهم في بلورة شخصيـتي. ومن هنا أجدني اليوم حتى في البحوث الأكاديـمية التي أشرف على تأطيرها في الجامعة مما يتجـنـبون المـبالغة في الاسـتماع الى (Gerrad Genette المدارس النقدية الغربية . فمرحبا بجيرار جينات ( ) لكن دون الابتعاد عن خصائص السرد العربي القديم والحديث .Todorov وتودوروف (إنـني أعـتـقد أن غـياب نظرية فـلسفـية ونـقـدية عـربـية صرفة هو الذي يجعـل النصّ الروائي غـير مـسـتـند إلى أُسُـس قـوية فكـأنما هو نص مـبتـور أو نص يـتـيم لأنه من ناحـية لا يـسـتـند إلى نـظرية فـلسـفـية عـربية ومن ناحـية ثـانـية يصعب عليه الاسـتـناد إلى نظرية فـلسـفية غـربية . في حدود هذا الإشكال تـبرز مأساة النص العربي الحديث .

ـ أثـر الرواية المصرية
* يـرى بعض النـقاد أن الرواية العربية المعاصرة مازالت تخضع إلى سـطوة الروائـيين المصريين . فهل تـؤيد هذا الموقف ؟
* أنا أعـتـقد أن الرواية العربية اليوم في مسـتهل الألـفـية الثالـثة روايـة متعـددة قائمة على جـذور مخـتـلفة منها أولاً الرواية المصرية ومنها رواية المغرب الأقصى، إضافـة إلى بروز العـديد من الأصوات الخليجية خاصة في مستوى الروائيات السعوديات…و إذا أضفنا إليها تعـدد المراكز العالمية مثل اليابان ونيجيريا وأمريكا الجنوبية على سبيل الذكر اِكـتـشـفنا أنّ الكثرة والتعـدد يخصان النصوص السردية المعاصرة.
لذا لا يتـيسّر أن نعـيد المسالة إلى حضور الرواية المصرية فحـسب إنما هي من جملة الجذور الفاعـلة في الخطاب الحديث . وأرى أن الكاتب يحسن إلى نصه إذا ما جعـله مهرجان ألوان تُفضي كلّها إلى المزيد من الاستفهام…
ـ حضور الرواية التونسية عربيا
* كيف تنظر إلى حضور الرواية التونسية في المشهد الروائي العربي المعاصر ؟
* يعـيدني هذا السؤال إلى مـقـولة لصبري حافظ حول روايتي ‘النخاس′ حيث قال أن هذه الرواية التونسية تؤرّخ لـبداية حوار بين النصوص التونسية والنصوص العربية في المشرق . وأعتقد أنه كان على صواب لأن تاريخ ظهور هذا النص (1994) قـد أكد أنه مقروء في المشرق أكثر من المغرب العربي. ذلك ما يـيسر لنا أن نقول أنه يحاور النصوص العربية المشرقية باسم النصوص التونسية.
ـ روايات السجون والإبداع الروائي
ـ كيف ظهرت في تونـس بعد الثورة بعض الكتابات الروائية تـستـمد أحداثها من تجربة السجون تحت نظام الحكم السابق . فكيف تـنظر إلى هذا النوع من الكتابة السّردية ؟
ـ أنا لست مع الأعمال الحـينـيّة ولا أعـتـقد أن الفنّ القصصي يـسـتجـيب إلـيها . لكنني أشجع على ظهور نماذج جـديدة من السـيرة الذاتية.
إن العمل الروائي يختلف تماما عن العمل السياسي. فالعمل الروائي بحث في المتغـيرات أما العمل السـياسي فـتأكـيد للثوابت، ولعلّي أُلفت الانـتباه إلى رواية صدرت لي منذ أكثر من عشر سنوات (دار الآداب بيروت) هي ‘راضية والسرك’ وهي تغوص في واقع السّرك الذي هو واقع الفوضى التي نمرّ بها في أيامنا هـذه . إننا إذا مازحـنا القارئ وتحـدثـنا عـن موجات صوتـية أو ضوئـية اِكـتـشـفـنا معه أن العمل الروائي يعبر إلينا من خلال موجات واسعة بينما تعبر إلينا البديـهـيات السياسية من خلال أمواج ضيقة بحيث يـبقى الاسـتـفهام الأكبر من خصائص الأديب والوقوع في الاسـتـفهام الأصغر من خصائص السياسي.


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة