الثلاثاء 2025-03-04 05:41 ص
 

النواب يخالفون الدستور في تقاعدهم المدني

12:15 م

المحامي الدكتور ليث كمال نصراوين - تكاد تكون الدورة الاستثنائية الأخيرة لمجلس الأمة والتي ينفض سامرها اليوم أكثر الدورات التي شهدتها الحياة النيابية في الأردن صخبا وإثارة للجدل، فبعد الأزمة الدستورية التي أعقبت قرار تجميد عضوية النائب قصي الدميسي لمدة سنة واحدة على ضوء فضيحة الكلاشنكوف غيت، عاد مجلس النواب إلى مخالفة أحكام الدستور في نظامه الداخلي الجديد الذي أقره مؤخرا والذي يعتبر جلسة التصويت على البيان الوزاري للحكومة سرية وذلك بشكل يخالف أحكام المادة (85) من الدستور التي تضع شروطا وأحكاما خاصة لانعقاد الجلسة سرية تتمثل في طلب خمسة نواب وتصويت مجلس النواب بالموافقة على ذلك الطلب. اضافة اعلان


وفي الجلسة الأخيرة لمجلس النواب المخصصة لمناقشة التعديلات الأخيرة على مشروع القانون المعدل لقانون التقاعد المدني لسنة 2013، أعاد مجلس النواب الضرب بعرض الحائط نصوص الدستور وأحكامه وذلك فيما يتعلق بآلية استحقاق النواب لتقاعدهم المدني. فقد صوت السادة النواب على الاقتراح المقدم من اللجنة المشتركة داخل مجلس النواب الذي يعطي كل من تصل سنوات خدمته العامة الفعلية إلى (7) سنوات تقاعدا مدنيا مدى الحياة، وهو الحكم ذاته الذي يطبق على الأعيان في مجلس الأمة والوزراء الأعضاء في السلطة التنفيذية.

إلا أن الملفت للنظر أن السادة النواب قد اعتبروا مدة مجلس النواب لغايات التقاعد المدني هي دائما أربع سنوات كاملة بغض النظر عن مدة العمل التي يقضيها العضو المنتخب في مجلس النواب. فبموجب التعديل الأخير على قانون التقاعد المدني يعتبر النائب الفائز في الانتخابات قد خدم مدة أربع سنوات في السلطة التشريعية لغايات الحصول على راتب تقاعدي مدى الحياة. فيكفي أن يخدم النائب لفترة زمنية قصيرة في مجلس النواب ويحل المجلس ومن ثم يعيد ترشيح نفسه في الانتخابات التي تليها ويفوز ليستحق راتبا تقاعديا مدى الحياة على اعتبار أنه قد جمع بذلك عدد سنوات خدمة عامة بواقع (8) سنوات في مجلس النواب.

إن ذلك الحكم الذي صوت لصالحه مجلس النواب ينطوي على مخالفة صريحة لأحكام الدستور. فعلى الرغم من أن الدستور الأردني قد اعتبر أن مدة مجلس النواب هي أربع سنوات شمسية تبدأ من تاريخ إعلان نتائج الانتخاب العام في الجريدة الرسمية وفقا لأحكام الفقرة الأولى من المادة (68) من الدستور، إلا أن الفقرة الثانية من المادة ذاتها تقضي بضرورة إجراء الانتخاب العام خلال الشهور الأربعة التي تسبق انتهاء مدة المجلس. فالمشرع الدستوري قد اعتبر أن مدة مجلس النواب كقاعدة عامة هي أربع سنوات شمسية، إلا أنه قد اشترط صراحة أن يحل المجلس قبل أربعة أشهر من انتهاء تلك المدة الدستورية وذلك لكي يتسنى إجراء الانتخابات التشريعية خلالها بحيث يضمن عدم حدوث فراغ في السلطة التشريعية. وهذا ما يعني أن المدة الدستورية الفعلية لمجلس النواب هي أقل من أربع سنوات، بالتالي فلا يجوز أن يسن مجلس النواب قانونا يعتبر فيه مدة مجلس النواب هي أربع سنوات كاملة كحد أدنى لغايات الحصول على تقاعد مدني.

كما تثور مشكلة دستورية أخرى في النص القانوني الذي صوت عليه مجلس النواب والذي يقضي باعتبار الخدمة ولو ليوم واحد في مجلس الأمة بمثابة خدمة فعلية مدتها أربع سنوات لغايات التقاعد المدني أن مجلس النواب يملك الحق في فصل أي من أعضائه في أي وقت يشاء ولأي سبب من الأسباب بمجرد موافقة أكثرية ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم. وقد قام المجلس بتطبيق ذلك النص الدستوري مؤخرا بحق النائب طلال الشريف الذي أطلق النار على زميله قصي الدميسي. فهنا يثور التساؤل هل من المقبول اعتبار فترة الأشهر القليلة التي قضاها النائب المفصول طلال الشريف في مجلس النواب والذي أهان فيها مجلس النواب ومس من هيبته وكرامته، أو أي نائب آخر سيتم فصله في المستقبل بسبب سوء سلوكه، بمثابة أربع سنوات لغايات احتساب تقاعدهم المدني؟.

وذات التساؤل يطبق على السادة النواب الذين تشغر مقاعدهم لأسباب مختلفة منها الوفاة أو الاستقالة أو أولئك الذين تسقط عضويتهم في مجلس النواب لفقدانهم أي شرط من شروط الترشح كالأهلية العقلية أو الأدبية، أو أولئك الذين يصدر بحقهم قرار عن محكمة الاستئناف بعدم صحة عضويتهم في مجلس النواب. فقد أعطت التعديلات الدستورية الأخيرة لعام 2011 محكمة الاستئناف التي يقع ضمن دائرة اختصاصها النائب المطعون في صحة نيابته الحق بقبول الطعن موضوعا والحكم ببطلان عضوية ذلك النائب وإعلان اسم النائب الفائز في الانتخابات. فهل يعقل أن يتمتع النائب الذي فصل قضائيا من مجلس النواب بسبب عدم صحة عضويته والذي تواجد لأيام معدودة في المجلس تقاعدا مدنيا مدى الحياة من خلال اعتبار تلك الفترة الزمينة القصيرة التي قضاها داخل أروقة المجلس أربع سنوات كاملة له لغايات قانون التقاعد المدني؟.

إن الحكمة الدستورية من نظام التمثيل النيابي تقوم على أساس حق الناخبين في اختيار ممثلين لهم في مجلس النواب لفترة زمنية معينة ليقوموا نيابة عنهم وبإسمهم بمهمتي التشريع والرقابة على السلطة التنفيذية، وهذا ما يبرر منح النائب المنتخب مزايا دستورية لتمكينه من القيام بتلك المهام الموكلة إليه كالحصانة الإجرائية والموضوعية والحصول على جواز سفر دبلوماسي خلال الفترة التي يتواجد فيها داخل مجلس النواب. أما أن يمتد نطاق تلك الامتيازات بعد تركه الوظيفة النيابية لأي سبب من الأسباب من خلال اعتبار المدة المتبقية له في مجلس النواب محسوبة لغايات التقاعد المدني، فإنه ينطوي على إجحاف كبير ومخالفة صريحة لمقاصد المشرع الدستوري ونواياه والتي تعتبر مثل هذه الامتيازات الدستورية مرتبطة بالوظيفة النيابية وليست شخصية مقررة للنائب المنتخب، وهذا ما يستتبع يالضرورة أن يتم حرمانه منها بمجرد سقوط صفة النيابة عنه، وأن يتم قصرها على الفترة التي يتواجد فيها النائب في مجلس الأمة.

إن على العقلاء في مجلس الأعيان أن يتصدوا للمهاترات الدستورية التي صدرت عن السادة النواب فيما يتعلق بقانون التقاعد المدني، حيث أثبت مجلس النواب الحالي ومع مرور الوقت أنه ضحية مناكفات ومشاحنات شخصية بين أطراف نيابية مختلفة تلقي بظلالها على الأغلبية الصامتة من أعضائه الذين يتسابقون في أداء الولاء والطاعة للتيارات السياسية المتصارعة، بشكل انعكس سلبا عما يصدر عنه من قرارات وأعمال تشريعية موسومة بطابع عدم الدستورية في معظمها.


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة