بين الحكومة والبرلمان

كانت العلاقة بين الحكومة والبرلمان توصف في وقت سابق بأنها سمن وعسل ، ولكنها اليوم يمكن أن توصف بأنها كالشحم والنار. وفي الحالتين فإن إحدى السلطتين تتغول على الآخرى ، والخاسر الوحيد هو المصلحة العامة.اضافة اعلان

أتمنى لو أن التلفزيون الأردني يتوقف عن بث جلسات المجلس حتى لا تتحول المسألة إلى مسرحية تمثيلية ، يوجه فيها النائب خطابه إلى الشارع ، ولا يكتفي بكلمة الكتلة التي ينتمي إليها ، بل يسعى لتسجيل نقاط ، ويبدو للمشاهدين كأن النواب يتعاملون مع الحكومة كعدو يجب هزيمته وتحرير البلد منه.
إذا استمر البرلمان في محاولة تهشيم الحكومة كهدف بحد ذاته ، وإذا حاولت الحكومة إضعاف البرلمان وتجاهله ، فإن المهزوم الوحيد في هذه المعركة ليس الحكومة أو البرلمان بل المصلحة العامة ، التي يجب أن تتعاون السلطتان لتحقيقها كل حسب صلاحياتها الدستورية.
ليس من المعقول أن تمتد الجلسة إلى ما بعد منتصف الليل وأن يخطب علينا 150 نائباً ، ليكرر أكثرهم نفس المطالب والانتقادات ، بنفس الكلمات ، فقد فهمنا أن جيب المواطن مقدس وخط أحمر ، وأن يد الحكومة لا يجوز أن تمتد إلى جيب المواطن ، فخزينة الدولة لم تعد جيوب رعاياها! وفهمنا أن على الحكومة أن تحارب الفساد وتضع له حداً نهائياً ، ولا تنتظر إجرءات القضاء ، بل تلقي القبض على الفاسدين وتسوقهم إلى ساحة الجامع الحسيني للإعدام ، ولو أن نائباً واحداً لم يتقدم حتى الآن باتهام محدد لمسؤول معين ، فالهجوم موجه لكائنات رمزية.
محاسبة الفاسدين واسترداد الأموال المنهوبة أعمال مطلوبة لذاتها وواجب على الحكومة ليس لأن في الموازنة عجزأً يراد سده بهذه الطريقة ، فالمفروض تصحيح أوضاع الموازنة في جميع الحالات ، وليس في هذه السنة وحدها.
حتى لو أمكن تحصيل مليارات الدناينر من الأموال المنهوبة ، فإن المبلغ يمكن أن يسدد جزءاً من المديونية ، ولا يغطي عجز الموازنة ، فالموازنة متجددة سنوياً ، والمفروض أن الفساد ليس منجم ذهب لا ينضب ، علمأً بأن معظم قضايا الفساد المعروفة تخص شركات ومؤسسات وليست عائدة للخزينة بشكل مباشر.
سمح بعض النواب لأنفسهم بأن يخوضوا في قضايا شائكة بدون معلومات كافية ، كبرنامج التحول الاقتصادي ، وتخاصية الشركات الحكومية ، ومشاريع إنتاج الطاقة. وإذا لم يكن هذا كافياً فسوف نسمع العجب عند مناقشة الموازنة العامة على الهواء مباشرة.