الجمعة 2024-12-13 12:47 ص
 

‘تحت العلم’ شريط سينمائي إيراني قصير: امتداد آخر للسينما الإيرانية الناجحة

01:39 م

الوكيل - جاءت نتائج الدورة 28 للمهرجان الدولي لفيلم الهواة بقليبية التونسية منطقية في جلها لكون الأفلام الأربعة المتوجة كانت ضمن تنبؤات متتبعي الدورة. ويبقى الفيلم الإيراني ‘الرمان فاكهة الجنة’ أحد الأفلام المتبارية، الذي لم يسعفه الحظ للصعود إلى منصة التتويج.اضافة اعلان

كان المتوج الأكبر لهذه الدورة هو الفيلم الذي تمت ترجمة عنوانه من الفرنسية بعنوان ‘تحت العلم’ وقد تبدو تلك الترجمة ملائمة خصوصا أن أول لقطة في الفيلم تظهر جنودا يطوفون حول عمود يعلوه العلم الإيراني، لكم العنوان الإنجليزي للفيلم ‘تحت الألوان’ (‘Under the colors’)، وإن كان في قراءته الأولى يسمح بنفس الترجمة فهو في عمقه وشاعريته يحيل في علاقته بمضمون الفيلم على ما تحت الألوان سيما أن التنورة – الإكسسوار المحرك للدراما تحيل على الجسد الذي تغطيه والرغبات المكبوتة أو المسكوت عنها.
فكما عودتنا السينما الإيرانية منذ أزيد من عقدين من الزمن، يعتمد فيلم ‘تحت العلم’ أو ‘تحت الألوان’ بلاغة الاستعارة لتقديم نظرة فنية حول الوضع العام بإيران. ويركز الفيلم على أحد الجنود بثكنة عسكرية تتواجد بوسط معماري حيث تجاورها بعض العمارات السكنية.. وبالصدفة يعثر أحد الجنود على تنورة (jupe) حمراء فوق أسلاك سور ثكنته العسكرية فيستعين بزميله لالتقاطها لتصبح داخل مرقد الجنود أداة لتحرير خيالهم الجنسي والتعبير عن ‘فنطازياتهم’ الشخصيةôلن يتوقف خيال الجندي الشخصية الرئيسية عند هذا الحد…سيدفعه فضوله لطرق أبواب كل شقق العمارة المجاورة للثكنة لإرجاع التنورة إلى صاحبتها أو ربما لاكتشاف صاحبتها.
يجعل الفيلم من هذا الجندي الذي يسعى لاكتشاف صاحبة التنورة شاهدا عن العمارة وسكانتها وأداة لإبراز بعض تجليات المجتمع الحضري بإيران بتعدد عيناته وتنوعها ومفارقاتها…هكذا نكتشف رفقة الجندي ذي المسعى المهذب في ظاهره والدوافع المسكوت عنها بداخله أن هذه العمارة تضم عجوزا يعيش لوحده وشبابا يحيون سهرات صاخبة ومثقفا متذمرا من الوضع العام بالبلاد ونساء منهن يافعة ترغب في التنورة وأخرى لا تظهر وجهها للجندي بينما تبدو ذراعها عارية وأظافرها طويلة ومصبوغة، وسيدة محجبة بداخل بيتها وجد مشمئزة من جيرانها وأخرى تغادر إحدى الشقق محتجة على رفيقها وراغبة في رفع شكاية ضده…فلا تواصل بين الجيران بالعمارة ولا أحد يسترجع التنورة رغم أنها استهوت بعضهن…فهل سقطت التنورة من احدى شقق هذه العمارة أم تراها قادمة من مكان آخر؟ هل هي لإحدى ساكنات العمارة التي لم تتجرأ على الاعتراف بذلك خشية نظرة الآخر لها داخل مجتمع لا يسمح لها بارتدائها في الأماكن العمومية ؟ هل الجندي يبحث فعلا عن صاحبة التنورة من أجل إرجاعها لها أم له دوافع شخصية مكبوتة تحركه ولا يستطيع مقاومتها ؟… حتى النهاية لن يجيب الفيلم عن هذه الأسئلة ويكفي أنه طرحها بشكل فني سلس ذي قوة إيحائية يصعب على المقص الإيراني مواجهتها….فبعد طرق كل أبوب شقق العمارة وعدم العثور على صاحبة التنورة يصعد الجندي إلى سطح العمارة ليضع التنورة فوق أحد أسلاك نشر الغسيل ويخرج من إطار اللقطة تاركا التنورة الحمراء، رمز الرغبات المحظورة و المكبوتة، تداعبها الرياح على صوت أذان صلاة المغرب.
يبدو مرة أخرى أن السينما الإيرانية التي تطمح إلى العالمية مستمرة بما لا يدع مجالا للشك في رسم طريقها كـ ‘سينمـــا’ بمعنى نمط إبداعي له خصوصياتة. وتتجلى هذه الخصوصيات في تتناول تيمات معينة، لكن غير محصورة، وتعالجها من فيلم لآخر وفق أساليب مختلفة ذات قواسم مشتركة. فلأزيد من 3 عقود من الزمن تستمر السينما الإيرانية بكثير من الإلحاح وعبر أجيال متعاقبة في الاشتغال على الإكسسوارات وتدقيق إمكانيات توظيفها من أجل خلق مساع ووضعيات درامية محبوكة بشكل لا يسمح بالتنبؤ بمآل القصة المحكية. وهو توظيف يضفي عليها بعدا شاعريا أو إيحائيا يجعلها أحيانا تتفادى مقص رقابة النظام… من جملة هذه الأفلام نجد تسمية الإكسسوارات بارزة من خلال عناوينها مثل ‘المفتاح’ و’الكرسي’ و’الكرة البيضاء’ و’الجرة’ و’الدفتر’ و’السبورة’ و’الأكورديون’ …وهنالك أفلام أخرى يشتغل إبداعها وفق النمط نفسه دون أن تسمي عناوينها نوعية إكسسوارها المحوري مثل الدفتر في ‘أين منزل صديقي’ والكاميرا في ‘سلام سينما’ والتنورة في فيلم ‘تحت العلم’ موضوع هذه الورقة.
ويعتمد هذا الصنف من الأفلام على معالجة يكون الإكسسوار فيها الأداة المحركة لمسعى البطل والمحرك الأساسي لدراما الفيلم…ففي ‘تحت العلم’ كان العثور على إكسسوار التنورة هو الحدث الذي جعل الجندي يحدد لنفسه هدفا ويتحرك من أجل الوصول إليه … وبفعل الحضور القوي لهذا الإكسسوار نجد أنفسنا أمام استفهامات رمزية التنورة. فهي أولا لباس نسائي حضري لشريحة من المجتمع ‘العصري’ وهنا تطرح استفهامات العلاقة الراهنة للإكسسوار بالمجتمع الإيراني وإملاءات النظام الذي يحكمه. ولهذه التنورة أيضا لون أحمر مشتعل يطرح علينا أسئلة الترميز اللوني الذي لا يمكن أن تكون له دلالة مقبولة خارج سياق البناء الدرامي العام للفيلم خصوصا عندما نواجه الأسئلة التي يطرحها المشهد الثالث في الفيلم عندما أطلق الجنود الأربعة، بداخل مرقدهم، العنان لاستهاماتهم الجنسية وهم يتخيلون صاحبة التنورة.
‘تحت العلم’ أو ‘تحت الألوان’ فيلم إيراني من 21 دقيقة من إخراج اسماعيل منصف وهو صاحب السيناريو في الوقت نفسه، تمثيل محسن محمدي ومحمد رضا مليلي تم إنتاجه سنة 2011 وظهر بالمهرجانات الدولية خلال سنة 2013 مثل مهرجان جونيف السويسرسة وكليرمون فيرون الفرنسية وعدة مهرجانات مفتوحة للمحترفين…مما يطرح من جديد السؤال العنيد : أين هي اليوم الحدود الفاصلة بين أفلام الهواة وأفلام المحترفين خصوصا بالنسبة لصنف الفيلم القصير ؟ فلم يعد اليوم ممكنا الحسم باعتبارات موضوعية في تصنيف الأفلام القصيرة التي تنتج بكميات أوفر وبإمكانيات متباينة ووفق مساطر جد متنوعة…


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة