الخميس 2024-12-12 11:43 م
 

"داعش": نعمة تركيا!

08:58 ص

بدأت طائرات سلاح الجو التركي، أمس (الجمعة)، بأول هجوم على مواقع تنظيم 'داعش' منذ ظهور هذا الأخير على مسرح الأحداث بقوة في حزيران (يونيو) من العام الماضي، ما يطرح سؤال المرحلة الجديد: هل تشهد تركيا تحولات وإعادة تقدير لمواقفها ورؤيتها الاستراتيجية للمنطقة، في ضوء سلسلة من التحولات التركية الداخلية، وسلسلة من التحولات الإقليمية والدولية، وبعدما ساد انطباع سياسي وإعلامي بأن الأتراك هم الحلفاء الفعليون للتنظيم المسلح المتطرف، والبوابة الأوسع لتزويده بالمقاتلين والسلاح؟اضافة اعلان

لم تتوقف التسريبات السياسية والإعلامية التي تتحدث عن حجم الدعم والتسهيلات التركية المباشرة وغير المباشرة لتنظيم 'داعش'، إذ يكاد يكون الأمر محسوما بأن الحدود التركية تشكل البوابة الرئيسة لتدفق المقاتلين الأجانب إلى سورية، ثم إلى العراق، خصوصا أن تركيا رفضت الدخول في التحالف الدولي الذي أعلن العام الماضي ضد هذا التنظيم. فيما تسهب تقارير دولية في الحديث عن تجارة النفط مع 'داعش'، وتسهيل دخول الأسلحة والمساعدات. وفيما كانت الحكومة التركية ترفض هذه الاتهامات، ازدادت الأدلة التي تثبت هذه الوقائع، وأن تركيا هي مصدر نعمة 'داعش'، وسبب استمراره وتعاظم قوته. وهو ما كشفته صحيفة 'جمهوريات' التركية بالأدلة والوثائق؛ عن تورط الأجهزة الأمنية التركية في تسليح التنظيم ودعمه بالمقاتلين الأجانب. وفي الأسابيع القليلة الماضية، كشف العديد من الصحف العالمية المزيد من المعلومات والأدلة حول هذا التحالف.
للوهلة الأولى، تذهب قراءة المؤشرات إلى أنه لا تحول حقيقيا ستشهده الرؤية التركية الاستراتيجية للمنطقة، وتحديدا حيال ملف 'داعش' والتنظيمات الدينية المتطرفة الأخرى. إذ شهدت الأشهر الماضية حالات اشتباك محدودة مع هذا التنظيم، وإن لم تصل إلى مستوى العمليات الجوية. وبعضها وُظف في سياق الدعاية السياسية التي تحاول إبعاد شبهة دعم الإرهاب عن الدولة التركية. فما تزال قائمة الأسباب والمقدمات التي دفعت بالنخبة السياسية الإسلامية في تركيا إلى التمسك بهذه الرؤية؛ ما دام 'داعش' يخوض حرب تركيا ضد الاكراد، ويحقق مصالح أنقرة في الحيلولة دون إنشاء وطن قومي كردي، وما دام المشروع التركي في شمال سورية يتقدم بقوة، وما دامت هناك فرصة لمضاعفة التبادلات الاقتصادية التركية مع دول المشرق العربي إلى خمسة أضعاف، إذا ما ضمنت نفوذها في المنطقة. لذا، لم تكن هذه الرؤية الاستراتيجية مسألة عاطفية، ولا صحوة للضمير التركي في البحث عن بريق الإسلام، ولا مجرد حنين تاريخي لعودة العثمانية وسلاطينها بكل بساطة قد لا يستوعبها العقل العربي بسهولة النخبة السياسية التركية التي مارست عقلانية سياسية باردة في السعي إلى تحقيق مصالحها في إقليم يتحول ويتشكل. وهو ما يمكن أن تمارسه أي نخبة سياسية عاقلة أخرى.
في الجهة المقابلة، ترى قراءات أخرى أن أنقرة وصلت إلى قناعة بضرورة تغيير اتجاه الدفة. وما العملية الأمنية الجديدة، وقبلها الهجمات الانتحارية في 'سروج'، إلا الأسباب المباشرة التي دفعت باتجاه ترجمة القناعات الجديدة، استجابة لتحولات داخلية ودولية، أهمها نتائج الانتخابات التركية الأخيرة واحتمالات ذهاب الأتراك إلى انتخابات مبكرة، وما حدث في فيينا بشأن الاتفاق النووي الإيراني الدولي، علاوة على أن مسار الاشتباك الكردي الداعشي يزيد ببطء غير ملاحظ من قوة الأكراد، وهو ما يجعل الاتراك يتنفسون الصعداء وهم يراقبون الحدود.
على الرغم من أزيز الطائرات التركية التي تخترق الأجواء السورية، والطلقات المتبادلة عبر الحدود وجوارها، فإن المعلومات والتوقعات تذهب إلى أن تدفق المقاتلين الأجانب عبر الحدود التركية سيبقى مستمرا، وأن النعمة التركية باقية في المدى المنظور.


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة