الخميس 2024-12-12 11:51 م
 

رحيل مثل الصهيل

10:25 ص

في الصبا , كنا نلمحه دوما بالشماغ الأحمر , وعطره الفواح ..ذاهبا للمسجد كان أول واحد يدخل واخر من يغادره , وثمة رائحة ندية تفوح من تفاصيل العباءة ...والثوب وحين كبرنا ظل ( الخال ابو سهل) خالد عبد العزيز المجالي , على نفس النهج ..ولكنه قرر أن لايكبر , وأن يبقى عصيا على المرض والتعب وكل نائبات العمر .اضافة اعلان

وحين كنت أجلس معه , نبتدأ حديثنا عن السكري والالام الركب , والأولاد والعشيرة ..ما مر علينا زمن إلا وتحدث فيه عن العشيرة ,وكأن الجنوب إبتداء لعينيه أو أن الجنوب إنتهاء الكلام بين الشفتين , وثمة وصايا عن المقال وعن الهدوء وعن الناس ..وكيف تحتضنهم .
وأمس في غفلة من الوقت , في غفلة من الأيام , قرر هذا الرجل أن يغادر الحياة وأن يلتقي بالموت ...يالله كم أوجعني هذا الخبر ؟ ذاك أن السنديانات التي تنبت في الكرك عنوة على الزمن والظرف , تحبها ونعشق بقاءها , فهي التي تعاند الريح والأيام ويستظل الكل فيها ...
هل خانتك الأيام يا خال ..؟ وهل ليل تشرين الذي يشتهي خطواتك إلى المسجد ما عاد يحتمل فينا الخطى ؟ ...أنا لا أعرف ولكني أؤمن بشيء مهم في العمر هو أن المدراء , ينتجون بقرار بتوقيع ..أما أنت فلم تنتج بتوقيع أو قرار هي الأيام التي أنتجتك , وليل الكرك الطويل , وعيون الناس ومحبتهم , وصبر السنوات ...واذى الشوك في طرقات العمر .
سلامي لك يا صاحب القامة الطويلة , والعباءة الشقراء ..إذ ترحل عن ربعك والناس والمسجد ..وسلامي لك إذ تترك بيننا إرثا طويلا مشرفا من المواقف ومحبة الناس وإصلاح ذات البين , وسلامي لك ...إذ تغيب عن دنياك مدججا بكل ما في العمر من صرامة الرجال وألقهم ...
أما أنا يا خال , فاعذرني أني لن أكون مشيعا بين المشيعين , ولكني ساتي كي أطل على قبرك وحب الناس إليك ...أنا أكره يا ابن الخطى المتعبة , يا ابن السنوات الجبارة مثل صخر الجنوب ..أكره أن أرى سنديانات الجنوب تودع التراب ...ولكنه وقت الرحيل , ورحيلك مثل صهيل الخيل وأعلى ...رحمك الله .
 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة