السبت 2024-12-14 11:23 ص
 

فضيحة تشارلز ديكنز الكبرى

10:17 ص

الوكيل - تقول الوقائع حول عمل ادبي تحقيقي مثير ما يلي: في عام 1836 الذي نشرت فيه أولى رواياته التي حازت على رواج واسع «أوراق بيكويك» في حلقات، تزوج تشارلز ديكنز كاثرين هوغارث احدى اربع شقيقات اسكتلنديات، ثلاث منهن شاركنه السكن في بيته. ومن بينهن ماري التي كانت في السابعة عشر من عمرها، وتوفيت في احضان ديكنز في عام 1837.اضافة اعلان


في عام 1844 جاءت جورجينا ذات الخمسة عشر عاماً، لأخذ مكان شقيقتها. وفي عام 1858 بدأ ديكنز علاقته السرية التي استمرت لفترة طويلة، مع ممثلة شابة متواضعة الموهبة، تدعى ايلين تيرنان، وتنادى باسم نيللي تحببا.



أعراض الجنون

وفي عام 1857 اقر علناً، وهو أمر يبدو غريبا بعض الشيء، بعد مرور 22 عاماً على زواجه وانجابه لعشرة أطفال، بان «كاثرين المسكينة وأنا لم نخلق لبعضنا». وجرى تداول بعض التلميحات الى ان كاثرين التي زاد وزنها وجشعها، بدأت تظهر عليها أعراض الجنون.

ووقفت الاخت جورجينا إلى جانب ديكنز في مواجهة شقيقتها، وظلت تقيم في المسكن كراعية وممرضة، ومرافقة لها بعد وفاة ديكنز في عام 1870. كما كانت الحامية الأساسية والمساندة بقوة لاطفال الروائي العظيم. وكذلك المدافعة عن سمعته كشخصية وطنية رمزية.



التلذذ بالفضائح

ويقدم مايكل سليتر في كتابه المدعوم بمصادر موثوقة، ومن خلال عرض بديع. البروز التدريجي لفضيحة، قد تعتبر في وقتنا الحالي أحد العوامل المهمة للترويج لشخصية ديكنز، غير ان ذلك قد يشكل مصدر انزعاج بالنسبة إلى احاسيس المجتمع الفيكتوري، وذلك مثل الإشاعة القائلة ان فلورنس نايتنغيل كانت تكرس وقت فراغها في اسعاد الجنود.

وبينما ركز كتاب كلير توملين الرائع «المرأة الخفية» الصادر في عام 1990 على أسرة ترينان، وتحولها بعد وفاة ديكنز إلى زوجة رجل دين محترم، نجد ان سليتر، مؤلف هذا الكتاب يهتم بالجوانب القذرة التي تمس السمعة ويتناولها بتلذذ، واستمتاع، مما جعلني انسى وضع المؤلف كأكاديمي ودارس مجد. وأقول ذلك كنوع من الاطراء.

والامر المدهش حقاً بالنسبة إلى القارئ الحديث كيفية قيام ديكنز بكل ما قام به، قبل ان تبدأ أحاديث النميمة في التطور من شرر بسيط إلى حريق شامل. وجزء من الاجابة على هذا السؤال، كما يشير المؤلف سليتر يكمن في ان الناس لم يكن يرغبون في ربط أي شيء مسيء بتلك الصورة مثل الزنى، بشخص يجلونه ويعتبرونه رب اسرة مثاليا. بيد ان الادلة كانت ظاهرة للأعين.

وقد استخدم ديكنز تركيبة مكونة من الطاقة الاسطورية التي يتمتع بها، وعبقريته في خداع الذات، ومعرفته التي لا تضاهى بجدول مواعيد سير القطارات، في عيش حياة سرية لفترة امتدت لاكثر من 12 عاما.



إشاعة إثر أخرى

واهتمامه بالبغايا لم يحظ بالانتباه، مع ان ذلك كان مصدر تعاسة لزوجته، ولكن كان هنالك قدر من المعرفة بما يدور خلال السنة الاولى لعلاقته مع نيللي. فقد كانت الصحف الاميركية تنشرمسبقا حكايات حول من اسمتها الآنسة تيرنان.

كما اضطر الروائي وليام ثاكري للتوضيح لبعض اصدقائه الثرثارين ان ديكنز لديه علاقة، ولكن ليس مع شقيقة زوجته جورجينا بل مع ممثلة، وهو أمر كان شائعا في ذلك الوقت.

غير أن سلوك ديكنز لم يساعد في وقف النميمة، فقد استأجر مسكنا بالقرب من ويندسور لأسرة ترينان قريب بصورة مريحة من محطة القطارات لرحلاته من المدينة. وقد استأجره باسم مستعار هو تشارلز ترينغهام. كما تصرف بطريقة أكثر تهورا عندما طالب في عام 1865 بإعادة قطع ذهبية تعود الى سيدة شابة كانت تشاركه صدفة كابينة القطار.

ففي خطاب لم ينشر بالكامل حتى عام 1952، ابلغ ديكنز ناظر محطة القطارات تشيرنغ كروس ان تلك القطع الذهبية تمثل خاتما ذهبيا محفورا عليه اسم «ايلين».



حرب غير مقدسة

وفي أعقاب وفاة آخر ذرية ديكنز في عام 1933، اندلعت حرب غير مقدسة فيما بين صحيفة «ديلي ميرور» التي حصلت على حق نشر كتابات ديكنز الدينية في حلقات، حيث وزعت ملصقات يظهر فيها المؤلف تحت تاج من الاشواك في شكل شهيد، وصحيفة «ديلي اكسبريس» المملوكة للورد بيفربروك، التي نشرت تلميحات حول مجموعة مختلفة من الممثلات كشفت عن كل شيء، كما نشرت اعترافات حميمة قدمتها تيرنان الى تلك الصحيفة التي تحب الفضائح.



حب أفلاطوني

وقد استمرت تلك الحرب التي استهدفت سمعته. ويقرّ سليتر ان المتعاطفين ممن كانوا يرون ان ترينان كان لديها علاقة حب افلاطوني ساعدته في مواجهة همومه، اقلية باتت تتقلص، وترينان نفسها ظلت شخصية غامضة. إذ لم تكن ممثلة جيدة كما لم تكن ذات جمال رائع. وربما لعبت روح الفكاهة لديها دورا في جاذبيتها.

ويقدم سليتر لحظة قارنت فيها الممثلة بأسلوب ينم عن المزاج قوامها بشجرة السنديان ولونها بلون طنجرة نحاسية. واذا كانت ترينان في حياتها بذلك القدر من حس الفكاهة، وعدم المباهاة بجمالها وشكلها، كما يلمح ذلك الاقتباس، لا يكون من المستغرب ان تكون قد سحرت أعظم كاتب في عصره.

خطيئة ارتكبتها جميع القوى، والافدح فيها هو الفشل في فهم انه لا مصلحة خاصة تستحق اشعال حريق هائل. بيد أن ذلك مفهوم يصعب على الألمان قبوله، خاصة بعد خوضهم ثلاثة حروب مجزية في نصف القرن السابق. بل إنه حتى صربيا الصغيرة باتت تشعر أكثر بالثقة بعد انتصارها في نزاعين في منطقة البلقان.

يعد هذا الكتاب أحد أكثر الدراسات اثارة للاهتمام حول تلك الفترة. وإنني على ثقة بان المؤلف سيقبل قولنا إن الكتاب يقدم نظرية جيدة لا أكثر، وذلك لأننا لا نعرف بكل تأكيد صحة بعض الوقائع.


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة