الوكيل - هناك ضعف اهتمام واضح بموضوع البحث العلمي، وذلك من عدة نواح لا نجد لها أي مبرر، مع العلم بأن جميع الدول المتقدمة تخصص جهودا كبيرة وميزانية عالية من اجل خدمة البحث العلمي فيها، لانها تعي تماما اهميته وما هي الايجابيات والفوائد التي يقدمها البحث العلمي ونتاجه لخدمة المنطقة.
البحث العلمي في أي مكان يمثل ويدلل على تقدم وتطور الدولة، ويكون الركيزة الاساسية في مكونات اية دولة تعي اهميته وركيزة مهمة للجامعات والكفايات العلمية والتقنية، ومستقبل واعد للبلد والافراد الذين يبدون اشد الاهتمام بقضية البحث العلمي.
مدير وحدة الدراسات في مركز القدس للدراسات السياسية حسين ابو رمان قال هناك ضعف بالغ في موضوع البحث العلمي وبوجهة نظره فان المشكلة تبدأ من المدرسة باعتبار ان الطالب في المرحلة الدراسية يفترض ان يتزود في مهارات الكتابة اولا، فالبحث يحتاج الى القدرة على الكتابة، والطلبة يعانون كثيرا فيما يتعلق بقدرتهم على الكتابه وايضا بالمهارات الاخرى من مقارنة وتحليل واستنباط، وهذا كله يرتبط بمشكلة جوهرية تتعلق بنمط التعليم السائد بطريقة التلقين.
يتابع ابو رمان حديثه بان المرحلة الثانية لا تقل اهمية عن الاولى وهي المرحلة الجامعية، التي يسود التدريس فيها نمط التلقين وليس التعليم التشاركي، ونسمع من الاساتذة ملاحظات بأن الطلبة لا يزورون المكتبة نهائيا وربما سبب ذلك يعود لغياب الحوافز للطالب، لان نمط التلقين السائد لا يدفع الطالب دائما للذهاب الى المكتبة من اجل ان يعد مواضيع يطلبها الاستاذ او من اجل ان يبحث ويجهز نفسه للمشاركة في المحاضرة أو لاعداد اوراق سريعة. مشكلة الدراسة الجامعية هي في العادة التي تستقطب الانتباه باعتبارها تمر بسنوات مهمة جدا في حياة الطالب من دون أن يتعلم فيها الطالب مهارات البحث حسب ابو رمان، تُدرس في الجامعات مواد متعلقة بالبحث العلمي ومهاراته ولا ندري ان كان جميع الطلبة يتاح لهم فرصة التعرف على البحث العلمي ويختبرون قدراتهم في هذا المجال.
جانب اخر تحدث فيه ابو رمان يرتبط بدرجة تجهيز الطلبة بعد التخرج للانخراط في سوق العمل، ويلاحظ انه توجد مشكلة كبيرة في هذا الجانب، فعندما يتخرج الطلبة يفترض ان ينخرطوا في سوق العمل ويكون من الواضح انهم لا يملكون اية مهارات ويجب عليهم أن يتعلموا من جديد، وهذا يؤدي الى المشكلة نفسها وهي ضعف البحث العلمي ومشكلة الجامعة في تجهيز الطلبة، لكن عندما ينخرطون في سوق العمل يكون لديهم حد ادنى من المهارات المناسبة.
مشكلة لافتة اخرى على مستوى مرحلة مهمة متعلقة بالبحث العلمي وهي مرحلة الدراسات العليا، ايضا نلاحظ حسب ابو رمان ان الخلل الموجود على مستوى المراحل السابقة يستمر في هذه المرحلة، وربما واحد من الاسباب التي تطفو على السطح لها علاقة بنمطية اعداد الاطروحات والرسائل الجامعية بطرق روتينية تخلو من الابداع، ينتجون دراسات ولكن لا ينتجون معرفة ولا يعمقون معرفتهم لان هناك ميل سائد نحو دراسات كمية جزء منها بحاجة الى مهارات فنية اصلا لا يعرفها الطلبة ويستعينون بخبراء لانجازها مما ينتج عن ذلك كمية كبيرة من الاطروحات الجامعية التي لا تفيد احدا، ومن الملاحظ وجود مسلسل من الاخفاقات في تمكين الطالب في مختلف المراحل هي التي تعمل على انتاج هذا الخلل.
يرى ابو رمان انه عندما نأتي الى مرحلة يكون هناك حاجة الى وجود تخصص اكثر لتعليم الطلبة طرق البحث العلمي يستمر الخلل، ولا تتوفر دائما الفرص السهلة للطلبة والاساتذة لانتاج البحوث بسبب ضعف التمويل المادي، مع انه يفترض ان يكون في الجامعات عملية تمكين مزدوجة من ناحية تعليم الناس البحث العلمي وانتاجه من كل النواحي الذي يتطلبه ذلك الامر، والمخصصات المادية في هذا الجانب ضعيفة سواء في تمكين الطلبة أو في تغطية احتياجات البحث.
على مستوى التشريعات يقول ابو رمان ان هناك اموالا يجب أن تضخ في موازنة الجامعات لكن لا يبدو ان هذه الاموال تصل جميعها الى الجامعات، وبالتالي الجامعات تواجه مشكلة ايضا على هذا الصعيد فيما يتعلق بمجمل الموازنة بمختلف انشطتها وليس فقط في البحث العلمي ولكن ربما البحث العلمي يدفع الثمن في المقدمة ومخصصاته قليلة جدا.
مشكلة اخرى تتعلق بالبحث العلمي تحدث فيها ابو رمان بأننا نقوم بمقارنة انفسنا بنماذج من حولنا من الدول امكاناتها على المستوى التعليمي اقل منا وربما اذا قارنا حالتنا معها يكون وضعنا جيد، ولكن علينا ان ننظر الى الامور من منطلق احتياجاتنا اولا واحتياجات التمكين بالتالي من المؤكد انه لا يوجد عندنا مشكلة طاقات، فالتعليم هو اساسا لخلق الطاقات، فنحن نستطيع في حال كانت العملية التعليمية سوية ان ننتج طاقات حتى لو كان عندنا ضعف فيها وهذه هي وظيفة التعليم والتدريس، وهذا يعزز ثقة الانسان في الحياة، فلا نستطيع ان نبرر ضعف البحث العلمي بالطاقات لاننا نستطيع ان نخلق هذه الطاقات، فنحن نواجه مشكلة على مستوى الاداء العام في التمكين والتمويل، بالتالي المحصلة العامة تكون ضعيفة.
في السياق ذاته قال عميد البحث العلمي في الجامعة الاردنية الدكتور خالد الفوارس ان اهم معوقات البحث العلمي تتعلق بفهم ثقافة البحث العلمي فالبحث عبارة عن ثقافة يشترك فيها الباحث والمجتمع وصاحب القرار 'الدولة' فعدم وجود فهم عميق لمفهوم البحث العلمي وبانه الاساس في حل جميع المشاكل في المجتمع، فالبحث العلمي يتعلق بالمستوى التقني والتكنولوجي بالاضافة الى المستوى الانساني.
نحن في الوطن العربي حسب الفوارس ربما لا نسبق الغرب في مجال التكنولوجيا التقنية التطبيقية لكن على المستوى الفكري لنا باع طويلة في هذا الموضوع ولنا تأثير اكبر فيه، وحتى نستطيع نحن كعرب ان يكون لنا على خارطة البحث العلمي في العالم موقع مهم ذلك يعتمد على عدة عناصر اهمها التمويل وللاسف العالم العربي يصرف كمية قليلة جدا على امور البحث العلمي، فالولايات المتحدة تصرف ما نسبته 4 % من الدخل القومي، واسرائيل تصرف ما نسبته 3-4 % من الدخل القومي على البحث العلمي وهذه ارقام تعبر عن مليارات، بينما في الوطن العربي لا تتجاوز 0.3 % من الدخل القومي.
يرى الفوارس ان المشكلة او المعوق الثاني هو قلة عدد الباحثين بالاضافة الى المسؤوليات الواقعة على هؤلاء الباحثين، فاذا اعتبرنا ان في الاردن ما يقارب 2500 شخص يحملون شهادة الدكتوراه ولكن ما هي الاعباء التي عليهم، الاعباء التي عليهم اعباء تدريسية كبيرة بحيث انها تستنفد كل الوقت الذي يملكه الباحث في مجال التدريس، ومدى تفرغ هؤلاء الباحثين للاشراف على الدراسات العليا.
مشكلة اخرى حسب الفوارس متعلقة بالبيروقراطية في تقديم البحث للدعم والحصول على هذا الدعم وانتظار المواد والاجهزة، فهذه البيروقراطية القاتلة تؤثر سلبا في البحث العلمي وهذا بعكس ما يحصل في الدول المتقدمة ما يوفر وقتا وجهدا هائلين.
ويرى الفوارس ان المردود المادي الذي يعود على الباحثين لتحسين حياتهم وظروفهم الاجتماعية، وذلك يجعل الباحث يفكر بان ينحى منحى اخر غير البحث العلمي بسبب المردود المادي، وذلك يؤثر ايضا في استقطاب الباحثين الى دول الخارج.
أكد رئيس قسم علم الاجتماع في الجامعة الاردنية الدكتور مجدي الدين خمش ان بعض المحللين في الاردن يربطون ضعف البحث العلمي في التمويل وقضية الميزانية، ولكن وحسب خمش فهو لا يعتقد ان هذا هو العامل الاساسي، صحيح ان التمويل مهم ولكن هناك امور اهم من ذلك وهي الثقافة العلمية أو ثقافة التفكير العلمي والتي هي ضعيفة في مجتمعنا الاردني والعربي وبالتالي نرى ان الدافعية عند المتخصصين انعكاسا للثقافة السائدة فدافعيتهم تكون ضعيفة، وبالتأكيد ان هناك بعض الباحثين الذين لديهم دافعية كبيرة ودائما منشغلون بامور البحث العلمي باعتباره اهم جزء في حياتهم من اجل ان يكون هناك انتاج علمي وبحث علمي.
يضعف الثقافة العلمية ايضا كما اشار خمش البيئة الاكاديمية في الجامعات ففيها نوع من عدم الوضوح والانشغال بامور اخرى لدى بعضهم، بينما المفروض ان يكون هناك تواضع واعتدال وتركيز على البحث العلمي باستمرار بحيث يصبح نمط حياة بالنسبة للمختصين، بيئة بعض الجماعات تحوي الكثير من الانشغالات الاجتماعية وليس البحثية، قانون الجامعات يجب ان يكون فيه نص واضح وصريح على قيام المهني بانتاج عدد من الابحاث سنويا، واذا لم يحقق ذلك ترتبط بامتيازات معينة.
المعينون الجدد في الجامعات حسب خمش لا بد ان تتوفر لديهم دورات الزامية من قبل الجامعات، لانه من المهم جدا تدريبهم وهم على رأس عملهم وان نتابع تدريبهم في مجالات تقنيات البحث العلمي، ويجب ان نخلق جمعيات وتجمعات للعلماء بالاضافة للموجود حاليا مثل منتدى مؤسسة شومان وهو شيء متميز بالنسبة للاردن فهو منتدى ثقافي وبحثي وله دور كبير في تنشيط البحث العلمي وخلق جو علمي، بالاضافة الى المكتبة الوطنية التابعة لوزارة الثقافة، فيلتقي العلماء ويتحدثون ويناقشون اخر النتاجات البحثية من كتب وابحاث، وهذا يؤدي الى تدعيم الباحثية للعمل وخلق بيئة مجتمعية مدعمة للانتاج العلمي، لانها تدمج بين المختصين والعلماء في تجمع وهذا التجمع انشغاله انشغال علمي وبحثي.
يرى خمش ان هناك امرا اخر يدعم الثقافة البحثية وهو الجوائز البحثية والاحتفالات فهي مهمة جدا في خلق الجو العلمي وتدعيم الثقافة العلمية وتحفيز الباحثين على الابداع والابتكار وبذل مزيد من الجهود لتحقيق ذلك، واعتماد الكتاب مرجعا اساسيا في المواد في الجامعة وخاصة في الكليات الانسانية حسب خمش .
اما مديرة مركز دراسات المرأة في الجامعة الاردنية الدكتورة عبير دبابنة فتعتقد بأن احد اهم الاشكاليات المتعلقة بالبحوث العلمية واعدادها في الدول النامية في المجمل وفي الاردن خاصة هي ضعف الموارد اللازمة لدعم الابحاث العلمية المتقدمة في المجال، التي هي بحاجة الى موارد مختلفة سواء مادية أو لوجستية، بالاضافة الى انه ما زال هناك ضعف في الانتاج المعرفي في مجال المنهجية السليمة في البحث العلمي، فما زلنا بحاجة الى بناية قدرات الباحثين بطريقة أكثر مهنية فيما يتعلق بمنهجية البحث العلمي، بالاضافة الى ان احدى اهم الاشكاليات البحثية انه يتم انتاج الابحاث من قبل مؤسسات ليست ذات طابع بحثي، بمعنى انها تحصل على دعم لانتاج ابحاث وفي الوقت ذاته لا تملك الخبرة والامكانات الكافية لانتاج ابحاث اكاديمية على منهجية علمية واضحه، وهذ من شأنه خروج منتج بحثي ضعيف ولا يعكس واقع الظاهرة محل الدراسة كما يجب، وينعكس على التقويم الاكاديمي العالمي في نوعية الابحاث في الدول النامية.
هناك تردد في عملية دعم البحوث العلمية لان المخرجات في الكثير من الابحاث لا تعكس الواقع بحقيقته وتفصيلاته كما اشارت دبابنة، وهناك ايضا مشكلة ضعف الموارد المالية ومشكلة عدم وجود الية سليمة لاجراء الابحاث وتكون بعيدة عن المنهجية السليمة لاجراء البحوث، وضرورة تعزيز مواد البحث العلمي في الجامعات بحيث ان تطرح على ايدي خبراء كثيرين موجودين يساهمون في بناء قدرات الباحثين وخاصة طلبة الدراسات العليا لانه مطلوب منهم ان ينتجوا ابحاثا متميزة في مجالهم.
وقال استاذ التاريخ في الجامعة الاردنية الدكتور علي محافظة ان هناك اهتماما بالبحوث العلمية ولكن لاغراض الترقية لانه لا يمكن لاي عضو من اعضاء هيئة التدريس في جامعاتنا أن يرقى من رتبة الى اخرى الا من خلال تقديم ابحاث علمية اصيلة تقومها مجموعة من الاساتذة لهذا الغرض. مشكلة ضعف الاهتمام بالبحث العلمي مشكلة لها علاقة حسب المحافظة بضعف بنية التعليم كله العام والجامعي، فالتعليم العام لا بد من اصلاحه لانه فعليا تعليم متدهور ومتدن ولا بد من اصلاحه من الصفوف الاساسية وذلك بتنمية الرغبة والحماس لدى الاطفال في اكتشاف الامور، لان البحث العلمي يدعو الى اكتشاف حقائق جديدة في الحياة من خلال اكتشاف المعرفة فيجب ان نربي هذه الخاصية عند الطالب من الصفوف الاساسية تدريجيا حتى يستطيع ان يجمع المعلومات ويكتب التقارير والموضوعات التي من الضروري ان تنمي مواهبه وقدراته، وهذا يحتاج الى اصلاح تعليمي.
يرى المحافظة ان الاصلاح التعليمي لا يبدأ من خلال الكتب والمناهج التدريسية وانما من خلال الاساتذة فنحن نشكوا من ضعف كبير من المعلمين في الاردن، هؤلاء لا بد من انتقائهم حسب اسس سليمة وتدريبهم تدريبا جيدا والخضوع الى رقابة جدية خلال التعليم حتى يصبحون قادرين على التعليم وايصال الرسالة الموكولة اليهم، واذا نجحنا في ذلك واوصلنا الطلاب الى الجامعة ولديهم القدرة على البحث العلمي او الاهتمام في اكتشاف الحقائق الجديدة عند ذلك ننمي ذلك ايضا في المرحلة الجامعية ونطوره ويصبح عند ذلك موضوع كيف ننمي البحث العلمي في المرحلة الجامعية وهذه لها طرقها المختلفة.
اذا قمنا بكل تلك الامور كما اشار المحافظة نكون قد خرجّنا طلبة لديهم الرغبة الحقيقية في الابداع ومعرفة البحث العلمي فهو اسلوب من الاساليب لاكتشاف الحقائق الجديدة، هذا الامر يحتاج الى مناقشة واهتمام كبيرين ثم نأتي الى مرحلة الدراسات العليا فيكون لدينا طلبة خريجين بكالوريوس لديهم القدرة على البحث العلمي وننمي هذه القدرة في مرحلة الدراسات العليا، وحتى نوجد ذلك لا بد من تعاون الدولة مع الجامعات من خلال انشاء مؤسسات متخصصة بدعم البحث العلمي.
العرب اليوم
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو