السبت 2024-12-14 11:33 ص
 

مرحبًا برمضان .. ولكن ..

09:19 ص

لا قيمة للصيام اذا مات ضمير المسلم ولم تستفزه هذه المشاهد البائسة التي تنتهك انسانية الانسان، وتجرح كرامته، وتدوس مقدساته، لا قيمة للصيام اذا تجردت أمة رمضان من قيمها واخلاقها، واباحت دماءها وافطرت على”نبش” القبور، ولا قيمة لصيام البطن اذا تحرر العقل المسلم من كل المحرمات واشهر فجوره وجنونه، او اذا تحول الجسد الذي يفترض ان يروضه الصوم الى “وحش” كاسر يأكل اليابس والاخضر، وتمسخ معنى الاخوة والتعاون والمروءة التي يفترض ان نتعلمها في مدرسة الصيام.

اضافة اعلان


في موسم الصيام الذي يحقق للأمة عبوديتها وكرامتها تتقدم غاية الوحدة على الفرقة، والمصالحات على الصراعات، والدفاع عن الكرامات والمقدسات على ما سواها من اولويات، وحقن الدماء على وهم الانتصارات البائسة بين الاخوة الاعداء، وتتقدم اولويات الامتناع عن الخصومات والمؤامرات والدسائس عن مطالب الامتناع عن المشروبات والمأكولات والشهوات، وتتقدم ضرورات الانتظام في الصف الوطني على الوقوف وراء الامام في صفوف صلاوات التراويح، فالعبادات سواء كانت في الصيام او في الصلاة لا معنى لها اذا انتزعت منها اخلاقياتها او اذا تحررت من غاياتها السامية التي جاءت من اجلها.


من مقاصد الصيام - حتى لو كان سياسيا بامتياز - ان يفضي الى التقوى، وهي سمة يحتاجها السياسي قبل غيره، التقوى في التعامل مع الوظيفة، ومع المال العام، ومع خدمة الناس والتواصل معهم، والتقوى في الالتزام بالقانون وفي الامتناع عن النميمية السياسية واللغط.


ومن مقاصد الصيام - حتى لو كان سياسيا ايضا - تطهير الذات من شهواتها، ومصالحتها مع محيطها، وتحريرها من اخطائها وتدريبها على الصبر والاخلاص، واعادتها الى فطرتها الاولى: فطرة ما قبل الوصول الى المناصب.


في موسم الصيام السياسي يفترض ان تتقدم المراجعات على ما سواها من اولويات: مراجعة الاخطاء التي تراكمت، والمساءلات التي تعطلت، والاصلاحات التي تأخرت، والانسدادات التي قادت الى الفشل، مراجعة المقررات التي افرزت ما نعانيه من خلل هنا وهناك، ومراجعة التصريحات التي اتسمت بالفوضى والارتباك، ومراجعة السياسات التي خرجت عن سكة المألوف، والاحباطات التي كادت ان تطبق على لوزتي الناس، والازمات الاجتماعية التي انتشرت عدواها كالاميبا في جسد المجتمع.


للاسف، يصوم الناس في رمضان عن الاكل والشراب، وتصوم بعض الحكومات والمليشيات (حتى التي تقاتل باسم الله) عن السماحة والعفو والرحمة.


ترى ما قيمة الصيام بلا رحمة وبلا عفو وبلا محبة ووئام؟، هل نحتاج بدعة جديدة اسمها الصيام عن الدماء، حيث تصفّد ادوات السياسة وتكف عجلتها عن الدوران، او يلوذ اصحابها الى خلوتهم ويمارسون الطاعة الذاتية، ويكفون عن القتل والدمار.


مرحبا بالصيام عن القتل والتدمير والظلم والجبروت حين يكون ايذانا بوأد الفتنة واعلاء قيمة الانسان والحفاظ على وحدة الوطن والدفاع عن حق الناس في الحياة، ومرحبا بالصيام السياسي حين يكون في اطار المقاصد الكبرى التي جاء من اجلها هذا الشهر الفضيل: التقوى والطهارة والمراجعة والتقرب الى الله تعالى والى عباده ايضا، مرحبا به حين يبشر بولادة مواسم جديدة من العمل والانتاج والعودة الى التعاليم والقوانين والمراسيم، وحين يكون مناسبة لتفقد الفقراء واشاعة روح التعاون والتكافل والهداية الوطنية.


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة