الخميس 2024-12-12 03:35 م
 

مقالة العبودية والحرية

07:28 ص

أصدرت المنظمة العربية للترجمة ومقرها بيروت سلسلة من الترجمات لأشهر الكتب التي وضعها مفكرون وعلماء غربيون خلال القرون الاخيرة، اي الفترة الزمنية التي شهدت ولادة وتطور وتقدم الحضارة الغربية في مختلف نواحي الحياة المعرفية العلمية والثقافية والاقتصادية والإنسانية.اضافة اعلان

وهذا العمل الكبير تم بدعم من مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم الذي رصد لها حاكم دبي 10 ملايين دولار من اجل هذا الغرض وهو ما يستحق الشكر لما قدمت هذه الترجمات للقراء العرب في السنوات الخمس الماضية من ثروة فكرية وثقافية.
لقد لعبت الترجمة دورا أساسيا في النهضة الاسلامية في العصر العباسي من خلال مكتبة المأمون في بغداد عندما عكف المفكرون الاسلاميون على ترجمة كنوز وذاكرة الكتب في العصر الإغريقي، من طب ابيقور الى ديموقراطية أفلاطون، وهذا الدور مارسه الغرب في بداية عصر التنوير عندما قامت الجامعات الفرنسية والإيطالية بترجمة مؤلفات ابن رشد المفكر والفيلسوف العربي الذي أضاء شعلة التنوير الفكري في اوروبا بينما واجهه العرب آنذاك بقوة ريح التخلف التي قادتهم الى قرون من الاستعباد والاستعمار.
ما يدفعني الى تناول هذا الموضوع في مقالة صحفية هي الصدفة التي وضعت بين يديَّ كتابا مترجما صادرا عن المنظمة العربية بعنوان «مقالة العبودية الطوعية» للفرنسي إيتان دو لا بويسي المولود في القرن السادس عشر، هذه المقالة التي نشرت قبل قرنين من الثورة الفرنسية ينظر اليها المفكرون الغربيون على انها البيان الذي حرك الربيع الاوروبي ضد حكم الطغاة والذي سبق دعوات روسو وفولتير التي مهدت للثورة الفرنسية.
الصدفة التي أتحدث عنها هي مناسبة مرور عامين على الثورة السورية في اطار الربيع العربي والتي تقدم فاصلا تاريخيا استثنائيا لطبيعة الاستبداد عند حاكم يتشبث بالحكم فوق شلالات من دماء شعبه.
ما كتبه لا بويسي قبل اقل من خمس مئة عام من تحليل لنفسية وأسلوب الطاغية في الحكم، وما هي عليه حالة الشعب عند القبول بالاستعباد والاستسلام للطاغية او عند الثورة عليه تؤكد بان صفات الطغاة وممارساتهم واحدة في كل الأزمان، مثلما ان الحرية «هي المقدس الزمني للبشر « كما يقول المفكر ريموند بولين.
من مقالة لا بويسي اقتبس بعض المقتطفات «من المؤكد انه لا وجود لطاغية صالح، والسياسة غير قابلة للفهم خارج حدود الأخلاق» وعن بنية الطغيان الاجتماعية يكتب «ينتشر الداء السياسي في ظل الطغاة ضمن طبقات متعارضة فيتقرب من المستبد خمسة او ستة من الطامعين ليصيروا متواطئين مع مثالبه وهؤلاء لا يلبثون ان يصيبوا بالعدوى ستمائة من الاشخاص سلسي القيادة ليعود هؤلاء فيصيبوا ستة آلاف من المتزلفين حتى الإمساك بالبلاد في حالة استعباد لمصلحة الطاغية».
وفي وصف الديكتاتور يقول: «ذلك الرجل ليس بهرقل او شمشون بل هو الاكثر جبنا، انه لم يختبر رائحة البارود، كما لا يبذل الناس من جهد ليروا ان ليس له الا عينان، وليس له سوى يدين وجسد واحد، وليس لديه من شئ مغاير عنهم سوى الميزة التي يصنعونها له كي يقوم بتدميرهم».
وأخيرا فان ترجمة كتاب لا بويسي الذي صدر قبل ثلاث سنوات من الربيع العربي يستحق القراءة على نطاق شعبي واسع في العالم العربي. فالرجل، الذي يعتبر أهم فيلسوف سياسي واعظم رجل في عصره، يكتب في مقالته وكأنه يتحدث عن طبائع الحكم الاستبدادي وعن وقائع الربيع العربي في عصرنا.


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة