الجمعة 26-04-2024
الوكيل الاخباري
 

الأوائل: وماذا غير الطب ندرس!



سجل امتحان التوجیھي بنسختھ الجدیدة أرقاما قیاسیة غیر مسبوقة. فلأول مرة في تاریخ امتحانات الثانویة العامة یحصل طالب على علامة 100% أما التسعة الأوائل على الفرع العملي فقد حصلوا على نفس المعدل 99.9%اضافة اعلان


انقسم الخبراء التربویون حیال ھذه النتائج المبھرة، منھم من اعتبرھا مؤشرا على نجاح نظام الدورة الواحدة للامتحان، وفریق ثان عدھا فشلا لنظام الامتحانات.

لا شك في أن حصول طالب على علامة كاملة في جمیع المواد، ھي طفرة قد لاتتكرر دائما، ساھم فیھا نظام احتساب العلامات المعتمد، وذكاء الطالب المتفرد، لكن التسعة الأوائل لیسوا أقل قدرا منھ، فما یفصلھم عن العلامة الكاملة سوى عشر واحد بالمائة، ومثلھم اعداد غیر قلیلة لطلاب حامت معدلاتھم حول علامة 99 صعودا ونزولا. ھي إذا معركة أعشار تفصل بین فئة من الطلبة المتفوقین في مختلف الفروع، لكنھا أكثر تركزا في الفرعین العلمي والأدبي.

أوائل الفرع العلمي دائما ما یكونون محط أنظار الناس، نظرا لصعوبة المواد العلمیة مقارنة مع المساقات الأدبیة، یضاف إلى ذلك أن طلبة ”العلمي“ المتمیزین عادة ما ینتظرھم مستقبل بتخصصات ذات مكانة اجتماعیة كالطب والھندسة.

وما فھمناه من تصریحات المتفوقین الأوائل، یؤكد بأنھم لن یخیبوا آمال المجتمع وعائلاتھم، إذ إنھم جمیعا یمضون على درب أسلافھم، یستعدون لدراسة الطب، وفي الجامعة الأردنیة تحدیدا، وكان جوابھم موحدا ”طب بشري طبعا“.

ماكینة القبول الجامعي لن تخذلھم وستحقق مرادھم. العشرة الأوائل على الأقل سینالون مقاعد طب بشري في ”الأردنیة“، لینضموا بعد سبع سنوات لجیش الأطباء في المستشفیات، ھذا إذا لم یسافروا لإكمال تخصصھم في جامعات غربیة، ولا یعودون من رحلة الاغتراب ھناك.

لم یفكر أحد من المسؤولین عن قطاع التعلیم والبحث العلمي بمقاربة جدیدة للتعامل مع ھؤلاء الطلبة الأذكیاء، خارج معادلة القبول الموحد والمسار المحتوم نحو كلیة الطب.

أولیس ھناك سبیل آخر لتوظیف ذكاء وتفوق الأوائل غیر إلحاقھم بكلیات الطب؟ وھل یعقل أن طالبا نال 100 % أو 99 یمضي لمستقبلھ كسائر الناجحین؟

لا نمیز بالفرص، لكن الممیزین والأذكیاء ھم الذین تعول علیھم الدول والمجتمعات لیكونوا علماء المستقبل، وقادة النھضة العلمیة والمعرفیة. وبلداننا أحوج ما تكون لطبقة العلماء والمخترعین.

یستطیع الآلاف من الطلبة أن یدرسوا الطب ویتمیزوا في عملھم مستقبلا، ولدینا فعلا مثل ھؤلاء الكثیر الكثیر في جمیع التخصصات. لكن على مدار سنوات التوجیھي الطویلة لم نتمكن من تخریج عالم مرموق أو تأسیس معھد أبحاث علمیة یرفد البلد بعلومھ وأبحاثھ.

ینبغي أن نصمم برنامجا للاستثمار في الموھوبین والأذكیاء، وفي الطلیعة منھم الأوائل، وإیفادھم إلى جامعات عالمیة عریقة للدراسة في مختلف التخصصات العلمیة، والانخراط في عالم البحث العلمي، خاصة في العلوم الحدیثة التي تدشن ثورة جدیدة في المعرفة والتكنولوجیا بمختلف مجالاتھا، على أن یعودوا لوطنھم لتأسیس مراكز أبحاث تصب في خدمة الصالح العام.

شبعنا طبا وھندسة، ولدینا من حملة ھذه التخصصات الآلاف ممن لا یجدون فرص عمل، فلماذا نضحي بالممیزین منھم فقط لإشباع رغباتنا الاجتماعیة وماكینة القبول الموحد التي تبلع الأخضر والیابس؟