السبت 20-04-2024
الوكيل الاخباري
 

الجريمة والاحتفال



لا أظن أن أحدا منا أحب الصورة التي تناقلتها وسائل الاعلام المحلية والعالمية عن التجمهر وخرق الحظر واطلاق العيارات النارية في الشوارع في تحد واضح للقوانين وأوامر الدفاع وشروط الحماية والحفاظ على الصحة العامة. المؤسف ان هذه الافعال ارتكبت على نطاق واسع وبمشاركة النواب الذين جرى اختيارهم لينهضوا بمهام التشريع والحث على سيادة القانون والرقابة على اداء السلطات الاخرى.اضافة اعلان


الحالة التي عاشها الأردن خلال الايام الماضية زادت في الحيرة وبعثت على التساؤل من جديد عن الاسباب والدوافع والظروف التي أدت الى ما حدث وهل كان بالإمكان تجنبها وما مدى المسؤولية الواقعة على الحكومة والمواطن والاجهزة ولماذا تأخر الجميع في الاستجابة لما حدث وتبارى الجميع في الحديث عن حزمهم بعد تغريدة جلالة الملك. ألم يكن بالإمكان التنبؤ بما حصل واتخاذ إجراءات تمنع حدوث ذلك. وهل كان التخطيط للانتخابات والتعاقب الزمني للأحداث والتوقعات غير حاضر في أذهان من خططوا، فتفاجأ الجميع؟

من غير المنطق ألا تكون الحكومة متوقعة لما حدث فلا احد يظن ان المناصرين والمؤيدين للمرشحين سيعودون الى بيوتهم بمجرد الاعلان عن ابتداء مواعيد الحظر تاركين الصناديق والعد والفرز وغير آبهين الى النتائج. الكل يعرف ان الجماهير مهيئة ومتحفزة وجاهزة للمشاركة في فقرات العرس الوطني الذي بقي الاعلام يروج له، فلا يعقل ان يتم سحب فتيل التعبئة والشحن الذي تعرض له المناصرون لأكثر من شهر بمجرد صدور قرار يدعوهم الى الالتزام بالحظر، خصوصا وهم يعلمون ان قرارات الحظر تتغير من وقت لآخر ولا يعرفون الاسباب الدقيقة التي دفعت بالحكومة الى تعديل موعده بين ليلة وضحاها.

نعم لقد احتفل الناس واطلقوا النار وخرقوا الحظر وعرضوا صحتهم وصحة المجتمع للخطر لكن كل ذلك متوقع سلفا فمجتمعنا يعرف ان العرس اغان وزغاريد ودبكات والاعلام الذي قال لهم انهم سيشاركون في العرس يدعوهم الى ان يلتزموا بيوتهم. لقد عبر الافراد والمناصرون عن فرحتهم بالنجاح بالطرق والوسائل التي اعتادوا عليها وكان الجميع يشارك بها.

لا يتصور الاشخاص الذين يرقصون ويدبكون ويطلقون العيارات النارية انهم يخرقون القانون بمقدار ما يرون انهم يعبرون عن اعلى صور الانتماء لقبائلهم وعشائرهم والمرشحين الذين ظلوا يذكرونهم بعز العشيرة واهميتها وقوتها ومنعتها وضرورة الاخلاص والتفاني من اجل تنافسها وتفوقها على العشائر المنافسة الاخرى.

المنافسة على هذا الاساس ليست وليدة اللحظة ولا هي خاصة لهذه الانتخابات بل كانت تتم ومنذ عقود على مرأى ومسمع من السلطات. القيم العشائرية التي توجه سلوك الفرد في الانتخابات وغيرها لا تعطي اهمية كبرى لما قد يقال خارج شبكات وبنى وعلاقات العشيرة فالكل منشغل بالإشادة بالبطولات والتضحيات والاعمال الخارقة التي قام بها بعض الابناء من اجل العشيرة والجماعة. الاحتفال مع العشيرة والمشاركة في افراحها طقس يتبارى الشباب والرجال والنساء في اتقانه بكل الصور والمظاهر التي قد تعجبنا او لا تعجبنا.

ما حصل في الايام القليلة الماضية من احتفالات وخرق لقواعد الحظر جرائم تولدت من سوء التخطيط والتخبط في القرارات وعدم وجود تصورات واقعية لما قد يحصل وغياب القنوات المشروعة للتعبير الحضاري المنضبط.