الجمعة 19-04-2024
الوكيل الاخباري
 

ديوان المحاسبة ليس مكانًا للاختباء



الذراع الرقابية الحكومية المشهود لها بجهودها، والتي تطارد الرقم المالي الرسمي والجدوى من إنفاقه، وتعد تقاريرها المعروفة بشفافيتها، يستخدمها بعض الموظفين لا سيما صغارهم، مكانا للتخفي والاختباء من إخفاقاتهم أو ضعفهم ونكاياتهم وخصوماتهم حتى النفسية، وفي لقاءات متكررة مع رؤساء هذا الديوان، وأمنائه، ذكروا حجم الملاحظات المختلفة التي تردهم من موظفين متطوعين في كل مؤسسات الدولة، وملاحظات أخرى من متطوعين خارجيين، غارقة بالكيدية والنكاية والفهم الأسوأ لطبيعة عمل هذه المؤسسة الرقابية القانونية، التي أصبحت بيت خبرة في مجالها، ولفهم الأسباب الكامنة وراء هذا الكم الكبير من الملاحظات، ربما نحتاج لجهة صحية في مجال الأمراض النفسية أكثر من حاجتنا لكيان رقابي مهني رسمي دستوري..اضافة اعلان


من بين الأسئلة التي تشغل أي متابع سؤال يتقصى سبب التلطي وراء هيبة هذه الدائرة من قبل بعض المدراء والمسؤولين، ولماذا هذا الاستخدام الانتقائي الأسوأ لكثير من القوانين والتعليمات والتعميمات والبلاغات الحكومية عند اللزوم، بينما اذا اختفى هذا اللزوم تختفي هذه الروح الشفافة الملتزمة بالقانون والتعليمات وكل ما ذكر !.

من بين الأمثلة على هذه الانتقائية لتطبيق القانون بحذافيره، لجوء قلة من الموظفين الى الكتابة للديوان عن تعليمات حكومية قديمة، للنيل من بعض زملائهم في مؤسساتهم، ليقوم الديوان بواجبه بناء على هذه الملاحظات، فيقدم استيضاحات لتلك المؤسسات، ويتم تشكيل لجان وتسري همّة مفاجئة لدى المدراء والخبراء وسائر الكفاءات الخارقة..ويتم التحقق ثم الإجابة على استيضاحات الديوان، وقد قرأنا كثيرا من الأخبار التي حملت طابع الإثارة، مصدرها بيانات في تقارير ديوان المحاسبة، وهي حالة نشهدها بعد صدور كل تقرير، فتقوم قيامة النضال ولا تقعد الا بعد أن تقدم تلك الجهات ردودها التي ربما تأخرت أن تصل قبل صدور التقرير السنوي أو الدوري عن ديوان المحاسبة، فتختفي النضالات وتتوقف حملات هدر الثقة والإساءة ثم الإشاعة بعد خسائر وطنية كبيرة، وقد قرأنا سابقا أسوأ الردود والأخبار بلغت حد مهاجمة الديوان وتقاريره من قبل مستويات المسؤولية في بعض المؤسسات والدوائر، وفي كل مرة كان القول الفصل للديوان وبموجب القانون.

غير أن هناك قيودا على عمل الديوان، فهو ولأسباب كثيرة لا يمكنه متابعة تطبيق كل التعاميم الحكومية في كل المؤسسات، ومن بين هذه الأسباب مثلا قلة الكوادر..الخ، لكن ما زال هناك هامش كبير بل أبواب كثيرة تسمح لبعض المسؤولين بالانتقائية وتزدهر بين وخلف ردهاتها ضروب من الكيدية والنكاية والتمييز بين الموظفين، وفي قضية تتعلق بقيام كفاءات من الموظفين بتقديم خدمات إضافية لمؤسسات حكومية أخرى، يصعب على تلك المؤسسات بسببها استقطاب نفس الكفاءة من القطاع الخاص ليقبل صاحبها العمل ضمن تلك الامتيازات، كأن يقوم شخص يحمل للدكتوراة او غيرها ويعمل ضمن ملاك وزارة ما بتدريس مادة أكاديمية في إحدى الجامعات الحكومية، أو طبيب مختص بمجال ما بتقديم خدمته المهنية لمستشفى آخر أو في الخدمات الطبية أو أي مكان تابع للدولة، أو حتى قيام موظف في مؤسسة اعلامية رسمية بتقديم خبرته لوزارة أو مؤسسة حكومية أخرى... كلها نماذج موجودة بغزارة في بنية الدولة ومؤسساتها، وهي ليست بوظائف حيث لا امتيازات وظيفية فيها، لا تقاعد ولا تأمينات ولا شيء سوى مكافأة مالية متواضعة، وهذا سلوك تقوم به دوما مؤسسات الدولة، لأنها لا يمكنها أن تحتمل رواتب الخبراء ولا امتيازاتهم التي يقدمها القطاع الخاص كما يحدث في الطب والتعليم العالي والاعلام وفي كثير من المجالات الأخرى..

ونتوقف هنا، لأن مساحة المقالة محدودة، لكن لا بد أن نذكر بعض التفاصيل في مقالة قادمة.