الجمعة 26-04-2024
الوكيل الاخباري
 

ذكريات رمضان (2)



في البلدة التي تربض على سيف بادية الشام، انصهرت أقوام من مختلف الملل والمهن.

كان في المفرق «مؤسسات» اجتذبت الناس من كل مناطق الأردن ومن سوريا والعراق والحجاز و من كل دول المغرب العربي.اضافة اعلان


كانت في المفرق محطة لشركة نفط العراق ألـ (IPC) رئيسها هو الشركسي إسماعيل جانبك. وكنت أنا من مواليد الاجفور (H.4) احدى محطات ألـ (IPC) في البادية الشمالية في أقاصي الشرق الأردني.

وكان في المفرق معسكرات للجيش. وقاعدة المفرق الجوية التي أنشأها الإنجليز. ومحطة رئيسية للخط الحديدي الحجازي الواصل بين دمشق وعمان ومعان، التي اجتذبت المعانية.

أخذت المفرق اسمها لأنها عقدة مواصلات تقع على مفترق الطرق بين الأردن وسوريا والعراق. فطغى اسمها الحالي على اسمها الأصلي: الفدين.

والحقيقة أن المفرق جمعت ووفقت ودمجت واستحوذت على قلوب كل من سكنها. و يشبه تكوين المفرق تكوين الأردن من حيث الترحاب بكل أبناء الأمة ومساواتهم ببنيها وتوفير كل الفرص أمامهم.

فقد كان الليبي علي عابدية أول رئيس لبلدية المفرق. والحجازي محمود المدني ابو سليمان أشهر مسحراتي في رمضان. أما أبو تحسين المصري الذي جاء في ركاب الهاشميين إلى الأردن، فقد استطاب هواء المفرق وأصبح الكوّى الأوحد والأشهر فيها.

ومن الذين ضمّتهم المفرق وعملوا فيها المؤرخ الأردني البارز سليمان الموسى. وحميد شردم والد إحسان باشا قائد سلاح الجو الملكي الأردني الأسبق و والد تحسين باشا مدير الأمن العام الأسبق. واحمد عصفورة والد أسامة وسمير وسميح باشا مدير المخابرات الأسبق. والشركسي ماهر والد كمال وطلال وجمال. وحلمي عبد الهادي والد محمد وقيس والدكتورة عاتكة وعبدالله. ومحمد الفندي المغايرة صاحب أقوى وأصفى ضحكة مجلجلة سمعتها في حياتي وهو والد إبراهيم باشا المغايرة قائد سلاح اللاسلكي الملكي الأسبق.

في أجواء رمضان في المفرق تعلقت بالمسجد وبالقرآن الكريم.

كنت أنهضُ والظلامُ يغمر المدينةَ، أقرعُ البابَ الأوّل، باب محمد الرواد، ثم اقرع الباب الثاني باب علي عزيز، ثم باب عبد المهدي التميمي وباب خالد جدوع وباب علي الحمود، وما هي الا دقائق حتى يتجمع شبّان الحارة فننطلق في ظلام شبه كامل، الى مسجد المفرق الأوحد الكبير من قلب المدينة.

كنا نفتح جميع أبواب المسجد ونشعل الضوء ونرتب ما يحتاج الى ترتيب، ثم ننقسم الى فريقين، فريق يذهب لإيقاظ المؤذن، وانا ومن معي، نذهب الى منزل الأمام المجاور، نوقظه، وننتظر ان يخرج علينا. نقبّل يدَه ونحفّه من الجانبين في موكب هادئ رزين صار يكبر مع الوقت، ينضم إلينا فيه عددٌ من الشبّان، وعددٌ من المصلين الكبار، ونصطحبه حتى المحراب.

كنا نصلي في صفٍّ واحد ثم نقرأ القرآن ساعة من الوقت، قبل ان نؤوب إلى بيوتنا.

لقد ساهمت صحبة القرآن المبكرة في تقويم لغتي وإثرائها.

كنا نعود إلى بيوتنا في حي المعانية غرب سكة الحديد ونحن في ذرى الانتشاء والزهو والارتياح.

أصبحنا أسرة واحدة وموضع ثقة جميع أهل الحارة وكانت شهادة الواحد منّا تعتمد بلا نقاش.

لم نعد نتشاجر. ذاع صيتُنا في الحارة وأصبحت امي تسمينا: العيالَ المرضيين.

لقد حافظنا على البرنامج الإيماني الشبابي ذاك، أكثر من سنة.

كانت حُسُن ام رياض النمري، تسكب طبختها الربداوية «المكمورة» فيأكل كل أبنائها من صحن واحد: رياض وفخري وميشيل ومحمد وجمال وجميل وجورج وبسام وباسم والابنة الوحيدة فايدة.

كنت واحدا منهم.

وكانت جَظّة أم محمد، تقدم لنا: ميشيل ومحمود كساب وسرحان النمري ومحمد الرواد (وسمير إسحق) وعيسى بطارسة وعبد المهدي التميمي ونايف عطالله الليثي وعلي محمد ابراهيم، قطايف رمضان ومنقوع القمردين