الخميس 28-03-2024
الوكيل الاخباري
 

“سردية” الوزير أعادتنا إلى “عش الدبابير”



لم نفلح بتقديم ما تستحقه الدولة الأردنية من سرديات، لا في المحطات التاريخية التي عبرناها، ولا في الأزمات التي واجهناها، هذا صحيح، ونكاد نتفق عليه، لكن، لم لا نبدأ؟

اضافة اعلان


الإجابة، بالطبع، تحتاج الى نقاش طويل، ليس هذا مكانه، أما السؤال فقد استدعته مناسبتان: الأولى احتفالنا بمرور مائة عام على تأسيس الدولة، وأعتقد أن جهات أكاديمية وثقافية قد نهضت بهذه المهمة، وعلى تواضع ما أنجزته حتى الآن، فهي محاولة لسد جانب من النقص او لتوضيح الصورة.

أما المناسبة الأخرى فهي التصريحات التي أطلقها مؤخرا وزير الإعلام، صخر دودين، “لإنصاف” بلدنا من خلال تفنيد الاتهامات حول ما يشاع عن بيع بعض الموارد والشركات الوطنية.


محاولة الوزير لتقديم سردية أخرى لما جرى تبدو مشروعة وضرورية لأكثر من سبب، منها أن أغلبية الأردنيين يعتقدون – جازمين- ان الخصخصة وما أعقبها من إجراءات تسببت ببيع العديد من المؤسسات الوطنية، وهذه “اللازمة” رافقت الشارع في كل احتجاجاته، وربما، ما تزال.


ومن الأسباب أن حالة ” السوداوية” التي أطبقت على المجتمع ارتبطت – غالبا- بعنوان “الفساد”، وما ذكره الوزير ربما جاء في سياق الرد على هذه المسألة.
يبقى سبب ثالث، وهو أن تقديم سردية رسمية حول “البيوعات” تحديدا، جاء في سياق التهيئة لمرحلة ما بعد “تحديث المنظومة السياسية”، ذلك أنه لا يمكن الانتقال من مرحلة اللايقين السياسي المزدحمة بمثل هذه الصورة السلبية في الذاكرة الشعبية، الى مرحلة اليقين والتفاعل مع الإصلاح والاستجابة لاستحقاقاته، إلا من خلال طرح صور جديدة تقنع الناس بأن ما يتداولونه ليس صحيحا.
يبقى السؤال الأهم، وهو: هل ما ذكره الوزير كان صحيحا ومقنعا؟ قد يكون جزء مما ذكره صحيحا، لكن ردود الفعل التي تابعتها جاءت في سياقين، أحدهما من خبراء أكدوا أن ما ذكره الوزير ليس دقيقا، والآخر من الجمهور الذي تلقى التصريحات بالتندر وعدم التصديق، ثم أعاد فتح الملفات وأضاف اليها معلومات أو إشاعات جديدة.

ما حصل هو أن الوزير لم يقدم – كما يجب- السردية الرسمية حول الموضوع بشكل متكامل ومفصل، فهو ذكر بعض المؤسسات واستثنى أخرى أهم، وبالتالي جاءت الرواية “مجزوءة” وبصورة انتقائية، كما انه حين استشهد ببعض هذه المؤسسات ونفى أن تكون قد بيعت لم يدخل في تفاصيل ما جرى فيها وما تعانيه من خسائر، فهي وإن كانت ” وطنية”، إلا أنها تعرضت لإصابات عديدة، وأصبحت عبئا على الحكومة، حيث سبق وأنقذتها أكثر من مرة، وذلك لأسباب تتعلق، ربما، بالخصخصة، او غيرها.


كنت أتمنى على الوزير أن يستعد لتقديم هذا الدرس بمعلومات صحيحة، ومتكاملة وأن يسرد روايته الرسمية بشكل متوازن، بما أخطأت فيه الحكومات او أصابت، ليقتنع الناس بها، لكنه – للأسف- دخل وأدخلنا معه إلى “عش الدبابير”، ثم فتح الذاكرة الشعبية المتعبة والمجروحة أصلا للنقاش مجددا في قضايا، يعرف ونعرف أنها تدق على العصب، وتثير العتب والغضب لدى أغلبية الأردنيين، وكنا في غني عن “نبشها” والتذكير بها في هذا الوقت بالذات.

تقديم السرديات الوطنية للخروج من حالة الإحساس بالغبن أو القهر، أو لكشف الحقائق والرد على الإشاعات والاتهامات، أو لمواجهة محاولات “حقن” الجمهور وتعبئته بموجات التشكيك بالمنجز الوطني، مسألة ضرورية ويجب أن توضع على أجندة الدولة، لكن ذلك يحتاج إلى حكمة وتوازن، وخطاب مدعوم بالمعلومات الصحية والموثقة، وإلا تحول الموضوع الى شيء آخر، أترك وصفه لردود القراء الأعزاء.