السبت 27-04-2024
الوكيل الاخباري
 

شعب قلّايات



أتحدث عن النصف الثاني من سبعينيات القرن المنصرم، وعن لبنان تحديدا، حيث كانت الحرب الأهلية اللبنانية في أوجها، وحيث صار القتل على الهوية ممارسة يومية عادية بين الطوائف المتحاربة. وقد ارتكب الجميع المجازر بحق بعضهم البعض وتبادلوا تصفية بعضهم.اضافة اعلان


ولما صار حمل الهوية الشخصية، في تلك المرحلة، يعني احتمال التصفية الجسدية على أحد الحواجز، لم يعد أحد يحمل بطاقة الهوية، وصار كل شخص يتقمص شخصية الطائفة أو الحزب المسيطر على الحاجز، والتي قد تتبدل يوميا عدة مرات.

لكن الوحش الكامن في دواخلنا ابتكر أساليب جهنمية للتعرف على الهوية الحقيقية للمار من الحاجز، فكان التنظيم المسيطر على الحاجز يحمل حبّة بندورة، ويسأل المار من عنده عن اسم هذه الثمرة.

- فإذا قال (بندورة) بفتح الباء والنون ، فهو لبناني .

- وإذا قال (بندورة) بتسكين النون فهو فلسطيني أو ممن يتعاون مع المنظمات الفلسطينية من الشعوب العربية .

وهكذا ، كان التسكين أو الفتح يكلّف الإنسان حياته، بكل بساطة.

ولم يخلُ الأمر في الاتجاه الآخر من عملية الكشف عن عورة المار للتأكد إذا ما كان مختونا أم لا. أو يطلب العسكري المناوب على الحاجز من المار أن يتلو الفاتحة، أو (أبانا الذي في السماوات) للتأكد من هويته الطائفية.

يا للعار يا للعار .....!!

فعلا هي ذاكرة مثقلة بالأحزان، لكنها – وللأسف الشديد-ليست مجرد ذاكرة، فهي تعشش في أدمغتنا حتى الان. صحيح أننا لم نعد نستعمل البندورة أو الكشف على العورة، لكننا ما نزال نقتل على الهوية في معظم أرجاء الوطن العربي، لأن في داخل كل واحد فينا – طائفي – من نوع ما -. قد يقمعه الوعي والثقافة ، أحيانا ، لكنه لا يلغي وجوده على الإطلاق ، وهو دوما بإنتظار أول (فلّة حكم) حتى يعبر عن ذاته بقمع الآخر أو قتله .

كل واحد منا-في العالم العربي-يدرب نفسه على اكتشاف هوية الآخر دون أن يراها أو أن يريه حبة بندورة. وكل واحد منا يفتتح دائرة أحوال مدنية في ذاكرته، ليستخدمها عند الحاجة.

كيف نتخلص من ذلك؟؟؟

هذه عملية صعبة ومعقدة وتحتاج إلى علاج نفسي جماعي، لكن علينا أن نقتنع أولا اننا مرضى، حتى نبدأ مرحلة العلاج، وشعارنا هو ذات شعار الثورة الطلابية في اوروبا في نهاية ستينيات القرن المنصرم. كان شعارهم يقول:

- فلنكن واقعيين ، ولنطلب المستحيل.