الجمعة 19-04-2024
الوكيل الاخباري
 

شيخ في الصحافة يودعنا



كان واحدا من شيوخ الصحافة، وهب حياته كلها للمهنة، أحبها بشغف. الاستاذ محمد كعوش “أبو يوسف”، كان يكفي أن تذكر كنيته، ليعرف السامع أن المقصود هو محمد كعوش،الذي رحل عن دنيانا قبل يومين.اضافة اعلان

في المهجر وفي الأردن، تنقل كعوش بين صفحات الجرائد والمجلات، كان مأسورا بالورق وبالمهنة على أصولها. يكتب مقالة يومية بخط يده؛ كلماته كبيرة بحجم أحلامه، فهو القومي المؤمن بالأمة، لم يفارقه حلم فلسطين لحظة واحدة، مع أنه أحب عمان والقاهرة ودمشق وبغداد من القلب.

تشرفت في العمل تحت قيادته في صحيفة العرب اليوم، لأكثر من عشر سنوات. كان عنوان الخبرة والحكمة في مطبخ التحرير الذي قاده الأستاذ الكبير طاهر العدوان.
يعرف كيف يكبح جماح ثورتنا عندما تشتد الأزمات؛ بالحب والمودة والروح الأبوية الفريدة.
كان واحدا من بين قلة يحظى باحترام وتقدير جميع الصحفيين بلا عداوات أو ضغائن، يترفع عن الصغائر، يصرخ ويغضب لكنه لا يكسر مع إنسان، وحين يشعر أنه قسا على أحد الزملاء يعود ويعتذر له ويحتضنه.
ألهمنا أصول الكتابة، والعناوين الذكية الجاذبة، والتفنن في المانشيتات، وعرض الأخبار بطريقة مشوقة للقراء.

صاحب روح محببة وقريبة إلى القلب، يحب الجرائد والقهوة وسمير الحباشنة وممدوح الحوامدة، والنساء الجميلات. تقدمي بالفطرة والدم،عدو للتعصب والأفكار الرجعية.
يكتب يوميا في الشأن السياسي، لكنه أقرب في وجدانه للأدب والشعر والفن. تأثر كثيرا بتجربته في لبنان وصحافة الكويت في عزها. عمل مع أساتذة كبار، وصادق ناجي العلي وطلال سلمان.
قضى سنوات في صحيفة الدستور الأردنية، واحدا من أعمدتها الرئيسة، وكتب لفترة من الوقت في صحيفة الرأي، وقضى تجربته الأطول مؤسسا في صحيفة العرب اليوم. ظل يكتب حتى وقت متأخر. كنت أحسده على هذه المثابرة في زمن صارت الكتابة الجادة عزيزة على أصحابها.

حتى عندما تقدم فيه العمر ظل مغامرا وشغوفا بالحياة كما لو أنه شاب في العشرينيات. يهوى السفر إلى القاهرة ويحب حياتها وصخبها. لم يكن الجانب المادي يعني له شيئا، المهم أن يشعر بالسعادة، ويبقى في قلب الصحافة ومطابخها.
قليل الكلام، لكنه ينفجر عندما يشعر أن أحدا يطعن بقيم الأمة التي آمن بها. فهو من ذلك الجيل الذي ظل ممسكا بالهوية القومية، رغم إدراكه لحجم الكوراث التي أصابت الأمة العربية، وشعوره بالخذلان من قادة باعوا شعوبهم الكلام والأحلام. سقوط بغداد كسر روحه وفطر قلبه.

كان يقيس الأحداث بمدى تأثيرها على مصير القضية الفلسطينية وشعبها، ومثل سائر الأجيال من القوميين العرب، لم تشهد تجاربهم المريرة لعقود طويلة سوى الخيبات والنكبات، لكنه ظل يعاند الواقع ويقبض على أحلامه دون تردد أو ضعف.
كان يطرد كوابيس الحياة واثقالها بالموسيقا والفن. في ممرات العرب اليوم، نعرف أن أبا يوسف قد وصل، حين نسمع دندناته بأغنية إلهام المدفعي،”مالي شغل بالسوق مريت اشوفك”.
سنبقى على هذه الذكريات، نرددها في القلب عن زمن مضى ولن يعود.
أبا يوسف، على روحك السلام.