الجمعة 19-04-2024
الوكيل الاخباري
 

صرخات أحلام.. حدث من قبل



من قبل أطلقت نساء الصرخات مثل احلام لكن لم ينجون من الموت. ومن قبل فقد أشخاص كثر صوابهم إلى حد التورط بجريمة قتل عائلية مأساوية طالت الأمهات والأشقاء. رجل يقتل ابنه، وشاب يقتل شقيقته أو شقيقه وآخر يجهز على أفراد عائلته حتى الأطفال.

اضافة اعلان


حدث هذا من قبل مئات المرات في مجتمعنا وعلى مدار عقود سابقة، وحدث هذا ويحدث دوما في سائر المجتمعات الفقيرة والغنية.


عوامل ثقافية واقتصادية واجتماعية متعددة تقف خلف ظاهرة الجرائم العائلية، لكن الحالة النفسية لمرتكبيها تمثل المحرك الأهم، فليس كل عاطل عن العمل يقدم على قتل عائلته، ولا كل مدمن مخدرات ينتهي لقاتل عائلي، لكن يمكن لمن يعانون من مثل هذه المشاكل أن يقدموا على ارتكاب الجرائم إذا تحولت مشاكلهم إلى مرض نفسي.

في مجتمعاتنا تشكل قضايا مثل الشرف والإرث دوافع أساسية للجرائم العائلية. وفي السنوات الأخيرة برزت أسباب إضافية لجرائم القتل بكل أشكالها، لعل أبرزها وأهمها المخدرات التي كانت سببا في جرائم عائلية مروعة، تذكرون على سبيل المثال”الجوكر” الذي انتشر بشكل كبير في أوساط الشباب قبل أن يتراجع، لكن تعاطيه خلف مجرمين ارتكبوا أفظع الجرائم. وما تزال المخدرات تشكل دافعا قويا لجرائم وسلوكيات اجتماعية منحرفة متعددة الأشكال.
الانتحار يمثل هو الآخر تطورا في السلوك الاجتماعي الهدام، الظاهرة في تزايد أردنيا كما الحال في دول عديدة. الظروف الاقتصادية الصعبة والمعاناة النفسية الناجمة عنها تسبب الاكتئاب للكثيرين إلى حد تفضيل الموت على الحياة.
نمط الحياة المعاصرة يدفع البشر للعزلة والتوحد الاجتماعي المرضي. يمكن رصد التأثيرات البالغة للانخراط المفرط في العالم الافتراضي على الأطفال والشباب الصغار، ما يحصل في الواقع أن المرء ينفصل تماما عن محيطه الواقعي، ويعيش في عالمه الافتراضي. الأجهزة الذكية تحولت إلى عقيدة ومجتمع ينتمي إليها أجيال من الفئات الاجتماعية الصاعدة ويتربى على ثقافتها الأطفال، والأخطر انها تشكل الإنسان ليغدو كائنا خارج مفهوم البشرية القائم، فيختلط الواقع بالخيال، لا بل إن الكائنات الخيالية التي ينغمس في علاقة روحية معها تصبح هي مثاله في الحياة ومحيطه الاجتماعي.

لكن بعد مرحلة عمرية يصطدم فيها الشاب بالواقع من جديد يقع الانفصام النفسي والروحي، ويصبح الصدام احتمالا مرجحا.

العنف والكراهية ونبذ الآخرين هي سمة المندمجين في العالم الافتراضي، وحين تتلاقح هذه المفاهيم مع الموروث الثقافي السائد لا يعود مفاجئا خروج المجرمين من بيننا.
والنقاش المحتدم في أوساط النخبة بعد كل جريمة عائلية كجريمة أحلام أو الشاب الذي قتل والدته في معان، هو ذاته الذي يدور من سنوات طويلة، دون ان يتمكن أحد من تغيير الواقع، لأن المسألة ببساطة لا تتعلق بالتشريعات على أهميتها، ولكن بالثقافة السائدة، وبالتحولات الاجتماعية العميقة التي أصابت المجتمعات العالمية، على وقع عالم جديد يتشكل وفق منظور مختلف كليا عن ذلك العالم الذي مضى ولن يعود.