الجمعة 26-04-2024
الوكيل الاخباري
 

عدالة وأمان وثقة



قضية الدخان «اللي طبختونا فيها» انتهت تقريبا، وأقول تقريبا لأن هناك محكمة تمييز، واستئناف، وأعتقد أيضا أن الأحكام المتعلقة بالقضايا الجمركية ستزول أو تخفف، ولا بواك لا لمطيع ولا لكثيرين تدمرت حياتهم سلفا، قبل النطق بالحكم العادل أمس.اضافة اعلان


مقالاتي وتعليقاتي حول هذه القضية كانت قليلة، وكنت أتوقع هذه النتيجة، بل إنني كتبت أكثر من مرة في هذه الزاوية، بأن القضية برمتها جمركية، وليست أمن دولة، ولا تستحق كل هذا الغبار المثار حولها، وهناك ربما مئات المواقف والتجاوزات المشابهة، تحدث يوميا، ولن تتوقف لا في بلدنا ولا في غيره، فهي لن تختفي من حياة البشر الا حين تكون الأرض كلها مدينة فاضلة، أو جنة سماوية.. فالشر والتهرب والتهريب والتحايل على القانون، مستمر، وفي السوق هناك الف حكاية وحكاية، تحدث يوميا حتى زمن سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، بل إن بعض التجاوزات والالتفاف على القانون (مقبول) بالنسبة لي، حين يكون الهدف توفير سلع رخيصة للضعفاء والبؤساء.. وهذه قناعة شخصية ربما تكون جدلية، لكنها تحدث واحيانا تقوم بها دول، فتتجاوز عن اتفاقيات وقوانين التجارة العالمية لتقدم رعاية للشعوب الفقيرة..

نحن في هذه المهنة، وبعد هذه الخبرة المتواضعة، أصبحنا خارج فئة الذين «يطيشون على شبر ميّه»، ولا يمكننا أن نرى الأمور من زوايا ضيقة، كما تفعل الأغلبية، التي تدعم خطابا ناقدا في البداية، لكنها في النهاية تكون أسيرة لرأي عام غبي، قد يعطل السياسة والإدارة في الدول، بل إن القضاء وحتى في الدول الديمقراطية ينحاز للرأي العام الغبي الخاطىء، ويتم تقديم ضحايا بريئين في محرقة السياسة والرأي العام «الفالت»، الذي تحركه عواطف تكون أجهل ما تكون عند الشعوب المتخلفة، لكن هنا يتميز قضاؤنا وعدالته ونزاهته، فهو لم يخسر مواجهة أو ينحاز يوما لرأي عاطفي، وفي كل مرة ينجح، وهذا مكمن العدالة والنزاهة والثقة.

الخاسر دوما في مثل هذه المواجهات هو الوطن او البلد، حيث يمكننا استعادة شريط (الكلام)، الذي أصبح محيطا عميقا، أغرق البلد بالحديث عن الخراب والفساد، وجعل الجهلاء بل وكثيرا من العقلاء، يخوضون غماره نقدا وتشكيكا ثم تعطيلا بل حجر عثرة، في طريق التنمية والاصلاح والاستثمار والثقة بالدولة والمؤسسات، فنحن وفي كل يوم نسمع اشاعات من وحي ذلك الانفلات، وكلها أكاذيب مثيرة، تجذب العقول الصغيرة والنفوس المرتبكة، والضمائر المعطوبة.. وتنتشر لتزيد الموقف ظلامية وصعوبة على الجميع، وهنا يكمن دور القضاء النزيه.

ولو كنا حقا بلدا ديمقراطيا، ووصلنا الى الغاية من أية ديمقراطية، وهي سيادة القانون، ومعرفة حقوقنا وحقوق غيرنا وكذلك حرياتنا وحريات الآخرين، لو بلغنا هذه الدرجة من التفكير والوعي والاحترام لأنفسنا وللآخر، لحسمنا بل توقفنا عن كل كلام حول قضية في عهدة قضاء، ومحوناها تماما من الذاكرة، بل واعتذرنا لكل المتهمين الذين حكمت المحكمة ببراءتهم، وهذا هو المنطق الانساني بل الإلهي المعروف عن العدالة في كل الديانات السماوية.

أنا اليوم أتعاطف مع كل الذين تم اتهامهم وظلمهم وتدميرهم، قبل ان تقول المحكمة كلمتها وتنطق بحكمها.

العدل هو ركيزة الحكم الرئيسية، وفي مثل هذه الأحداث، يتجلى العدل والحكمة، وتترسخ الثقة والشعور بالأمان.

ولا كلام قد يعوض هؤلاء ما خسروا، لكن يكفيهم ان يعلموا بأنني سعيد من أجل براءتهم، واتمنى لو يتم تقديم كل الخارجين عن السوية والقانون للقضاء، وسوف نفرح لبراءة البريئين منهم، وننسى المتهمين الذين يتم تجريمهم وحكمهم.