الخميس 18-04-2024
الوكيل الاخباري
 

قاع المدينة… النزول إلى القمة



في نهاية كل أسبوع لا أستطيع إلا النزول الى وسط البلد، وهنا لا اقصد الوسط الجديد المصطنع، وإنما الى وسطها التاريخي حيث المسجد الحسيني ودرج الكلحة وسوق الندى واليمانية والبخارية وطلعة الشابسوغ والقلعة وطلعة اللويبدة وشارع الملك حسين وغيرها من أماكن باتت بمثابة الرئة الإضافية التي يتوجب ان أستخدمها أسبوعيا حتى استمر.

اضافة اعلان


الأمر الإيجابي انني استطعت ان اجعل عائلتي (زوجتي وابنتي والشابين) يتمتعون بالبلد كما انا، فهذا الانحياز العائلي أراحني كثيرا، فأفراد العائلة بات لكل منهم حكايته مع قاع المدينة، ولكل فرد مكان مخصص مفضل يقصده ويجول فيه، اما نحن كعائلة فقد بتنا ملتصقين بالمكان واصبح التجول في شوارع قاع المدينة والتوقف امام محالها، والنظر لهذا او ذاك، وتفحص ماذا يفعلون سواء تعلق الامر بألعاب الخفة او بأكسسوارات مطروحة على طول الطريق عادة محببة لنا، يتخللها استنشاق عبرات المكان، ورغم ندرة المشتريات إلا ان تفحص المكان واستعادة عطره وتاريخه ومواضعه بات تقليدا اسبوعيا.


فأن تقف امام كشك الطليعة مثلا حيث كان اقدم بائع صحف في عمان احمد ابو حسين وتستمع لنجله زياد يحدثك عن والده الذي بدأ ببيع الصحف والمجالات عام 1949، فعند زياد مخزون هائل من الذكريات ويستطيع ان يرسم لك من خلال حديثه فسيفساء عمان ومراحل تطورها، وتاريخ الأكشاك فيها الذي بدأ العام 1977 أو اقل من ذاك بعام او اثنين عن طريق نقابة الصحفيين؛ فزياد استمع من المرحوم ابيه لتفاصيل المكان واستطاع ان يتعرف على رواد الوسط العماني ويعرف ميولهم وينغمس معهم حتى انه بات صديقا للكثير منهم.


في زيارتي الاخيرة لوسط البلد عندما كنت ذاهبا للتعزية بالمرحوم حسن ابو علي التقيت مع زياد صاحب كشك الطليعة الذي يطيب لي التوقف معه وسؤاله عن كتب معينة، ولأنني استمتع حد النشوة بالحديث عن عمان القديمة وعن مقاهيها مثل العاصمة والجامعة العربية اللاي داهمها العمران كما داهم جزءا كبيرا من ذاكرة المكان في وسط البلد، وعن مقاهي ما تزال حتى اليوم مثل كوكب الشرق او السنترال، فما أزال مستمتعا باسترجاع ذكريات قبل ما يقرب 30 عاما ويزيد عندما كان وسط البلد يعج بفنانين ومثقفين وروائيين وكتاب وأدباء وصحفيين ووزراء وغيرهم وجميعهم كانت تجمعهم ذكريات وتعاليل وحوارات في امور مختلفة، وها هو اليوم يستعيد حرارته.


حدثني زياد عن المرحوم والده والصحف وبيعها قبل نحو 70 عاما، كان يتحدث بشغف وحب عن تلك الذكريات وجدت نفسي وهو يحدثني سارحا في عالم من التفكير، وكان السؤال الذي يلح علي، لماذا لا يكرم أولئك ولم لا تقوم الحكومة والدولة والنقابات ورابطة الكتاب بالعناية بهم وتمنحهم فسحة للتعريف بالمكان وتطوراته، أم أننا ما نزال نعتقد ان التكريم محصور بربطة العنق والجاكيت والبدلة.


هي صرخة واقتراح لتكريم من تبقى من الرواد وخلق حالة من الوعي عند جيل جديد بأهمية أولئك الذين يعتبرون شواهد على العصر، شخصيا ما أزال أعتقد انه كلما نزلت الى وسط عمان ارى نفسي وكأنني أنزل إلى القمة.