الجمعة 26-04-2024
الوكيل الاخباري
 

لماذا تمكين المرأة؟



لا اعتقد ان المساواة بمفهومها المطلق هي ما تستحقه المرأة، لا بل انها تستحق العدل والانصاف، وقد تفطن المشرع القانوني الى ذلك، فمثلا قرر قانون العمل للمرأة اجازة للولادة مقدارها سبعون يوما، وحرصا من المشرع على ألا تكون هذه الاجازة سببا للعزوف عن توظيف النساء، فقد قرر المشرع ان راتب المرأة أثناء هذه الاجازة يدفع من المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي “اموال المشتركين”، وليس من صاحب العمل، باعتبار ذلك مشاركة جماعية تعكس الحرص على حق المرأة في العمل، دون ان يؤثر ذلك في دورها الذي اختارته هي لنفسها عندما قررت ان تكون أمّا وزوجة.اضافة اعلان


المساواة في المثال اعلاه، تتطلب ان يكون للرجل الموظف ذات الاجازات الممنوحة قانونا للموظفة الانثى، وهذا ظلم وليست مساواة، ولكن لماذا نتعب انفسنا، ونكلف جيوبنا؟ لماذا لا نضع المرأة في البيت ونريح ونستريح؟ وبهذا ننسجم مع “طبيعة” المرأة، ونقي أنفسنا من هذا الجدل المحتدم حول دور المرأة في الحياة العامة؟!!

لا اريد ان اخوض في “الكليشيهات” المعروفة حول عمل المرأة، وانها نصف المجتمع، كما لا اريد ان اعرج على المعاهدات الدولية والقوانين المحلية التي يجب ان “نرتقي إليها”، بل أريد ان انظر في الواقع العملي الماثل امامنا، ونسأل: هل من مصلحة اجتماعية واقتصادية وسياسية لوجود المرأة في الحياة العامة السياسية والاجتماعية والثقافية؟ وهل هذه المصلحة تفوق مصلحة قصر دورها على الامومة؟!

الاجابة من حيث الواقع تثبت ان بناتنا واخواتنا وامهاتنا يتمتعن بقدرات ومؤهلات مختلفة تضاف الى طبيعتهن الانثوية في الولادة والامومة، وهن كبشر وان فطرن على تأدية ادوار بيولوجية محددة، فإن قدراتهن فاقت تلك الفطرة الى مؤهلات ذاتية وعقلية مختلفة، فانظر الى اختك وتحصيلها العلمي الذي يتفوق على تحصيلك بدرجات، وانظر الى موظفتك التي تقوم بدورها في دعم عملك وتطويره، وانظر الى الموظفة في القطاع العام وهي تحرص على تطبيق القانون، وعلى عمل “الصح” اكثر من غيرها، انظر الى تلك الطبيبة المتفوقة التي ذاع صيتها، انظر الى سعادة النائب التي تمثل دورا قياديا اصيلا نزيها. لا أميل للتعميم، ولا الى تقديس المرأة، فان ذلك خطأ منطقي بل طريق لاستعباد المرأة ايضا، ولكن اميل لتقدير موضوعي، واعتراف واعٍ بحاجتنا لاشراك المرأة في الحياة العامة، باعتبار ذلك مصلحة للمجتمع وليس للمرأة وحسب، فإن اضفت الى ذلك ان المجتمعات العربية والاردنية منها في مرحلة البناء والتطوير، فإن التخلي عن قدرات المرأة وعدم تيسير ظروف مشاركتها في الحياة العامة يغدو قرارا غير منطقي، وخسارة شاملة للمجتمع!
ما اريد ان اقوله ان تمكين المرأة ليس فضلا منا، وليس تشبها بالغرب او الشرق، ليس ديكورا وليس حاجة “معاصرة” نحتاج ان نتمثلها، اننا كمجتمع نام نحتاج الى طاقات المرأة في المجتمع، ولنا مصلحة اقتصادية واجتماعية وثقافية في تواجدها في كافة مناحي الحياة، فان اتفقنا على هذه النتيجة، فإن السؤال الذي يطرح علينا هو هل تم تمكين المرأة بحيث تقوم بواجبها كأم، وبنفس الوقت بدورها المطلوب والضروري للمجتمع وللواقع الاقتصادي الذي يحتاج مساهمتها الاقتصادية لاستدامة اسرتها؟

لا احتاج الى ادلة للقول إن المجتمع لم يقصر فقط في تهيئة ظروف عمل المرأة في الحياة العامة، بل إنه كبّلها بكثير من الصعاب والقيود الاجتماعية، التي جعلت عملها ونضالها مضنيا، حتى تفرض وجودها في هذه الحياة العامة، فهي تعمل داخل البيت وخارجه، وهي تتعرض لأشكال من التحرش والمضايقة التي نعرفها جميعا، ومعظم مساحات عمل المرأة صعبة، ولها اشكاليات متعددة، واكثر من ذلك فإن دورها ذاته محل تجاذب، وعدم اعتراف شامل بأهميته للمجتمع اكثر منه للمرأة ذاتها!
في مجال الحياة السياسية، وضعت المرأة الاردنية، ومنذ التأسيس بصمات حقيقية في دور سياسي مهم، وهذا ان كان ممارسات فردية، فهناك امثلة تاريخية على قدرتها على المساهمة الفعالة في بناء مجتمع اردني حديث معاصر ديمقراطي، ورغم ان المرأة دخلت قانونا المعترك السياسي في الترشح للانتخابات متأخرا في السبعينيات، لكن بصمات شخصيات نسوية اردنية في المجال السياسي معروفة وواضحة للجميع.

غاية القول إن تمكين المرأة عموما، وتمكينها سياسيا خصوصا، ليس تمييزا ايجابيا “لطرف ضعيف”، وشخصيا لا احبذ هذا التكييف، ان تمكين المراة عموما وسياسيا خصوصا هو حاجة وطنية اجتماعية، وهو تعويض عن تأخر تمكينها، وتأخر قيامنا بواجبنا القانوني والسياسي في تهيئة الظروف العادلة لحضور المرأة في المجتمع، لهذا لا منة ولا عطفا، انه استحقاق قانوني وحاجة اجتماعية اكثر منه حاجة نسوية، فاهم علي جنابك؟!