الثلاثاء 23-04-2024
الوكيل الاخباري
 

هجمة ضد الرئيس



صدق أو لا تصدق.. التقى رئيس الوزراء مع عدد من الكتاب ورؤساء التحرير (الأحد الماضي) لأكثر من ساعتين ونصف، ثم خرج خبر عاجل اختزل اللقاء في سطر واحد، مقطوع من سياقه، نسب للرئيس، وهو ” السوداوية السائدة ممنهجة ومدروسة وذات تقنية عالية، تستهدف ضرب الدولة في مفاصل رئيسة”.

لم تقف المسألة عند هذا الحد فقط التقط العديد من الناشطين في الفضاء الافتراضي تهمة السوداوية، وهجموا على الرئيس، فيما لم نسمع أي رد أو توضيح، لا من الذين حضروا اللقاء، ولا من وسائل الاعلام المحسوبة على الحكومة.
لا يخطر ببالي أن أدافع عن الحكومة، فقد انتقدتها مرارا، ولا عن الرئيس، إذ صارحته خلال اللقاء بما يحدث في البلد، وحملت حكومته مسؤولية ذلك، وأشهد أنه تقبل كل ما قلته بصدر رحب، واتفق معي في كثير مما ذكرت، ما دفعني للتعليق على مسألتين:

اضافة اعلان


الأولي الهجمة الظالمة التي تعرض لها الرجل، وأعتقد أنها ليست “طائشة” ولا بريئة، إذ لا يمكن لعاقل أن يصدق أن لقاء استمر كل هذا الوقت، ولم يتحدث فيه الرئيس الا عن السوداوية، وبالتالي فإن “التغطية” على كثير من القضايا التي ذكرها، على أهميتها، والتركيز على جملة عابرة فقط، يستدعي الانتباه، كما يستدعي القول بأن ” وراء الأكمة ما وراءها”.

أما المسألة الثانية فهي أنني أحد الشاهدين على ما حدث، ولا أقبل أن ألوذ للصمت، حتى لو كان لي موقف سياسي ضد بعض سلوكيات الحكومة، واجب الانصاف، ناهيك عن المسؤولية الأخلاقية والمهنية، تجعلني أسجل شهادة فيما حصل، وأدافع عن الرجل في هذه الواقعة بالذات، لأن ما تناقلته وسائل الإعلام لم يكن دقيقا.

ما جرى أن الرئيس رد على مداخلة لي حول الموضوع، أشرت فيها إلى أن حالة البلد تبدو صعبة وخطيرة، وأن السوداوية جزء من المشهد الذي شاركنا فيه جميعا، الحكومات والمجتمع ما، وهي نتيجة وليست سببا، فوافقني على ما قلته، وأضاف أن ما جرى لم تصنعه حكومة واحدة ( يقصد حكومته)، وإنما أخطاء تراكمت منذ سنوات طويلة، حتى أصبحت السوداوية سمة من سمات مجتمعنا، وقد تكون أحيانا عدوى للمبالغة والانطباعية، وأحيانا أخرى بفعل فاعل، سواء كان بشحن من الداخل أو من الخارج.


أزعم أنني من أكثر من كتب عن حالة المجتمع الأردني في الأيام الماضية، وعن المحاولات التي تجري لإغراقه في ” السواد العام”، ومقولات إن “البلد خربانة” وأنه لا جدوي من الإصلاح، وغير ذلك مما يتغلغل داخل المجتمع ويطفو على سطحه، بمعنى أن ما ذكره الرئيس في هذه النقطة مجرد توصيف عام، لا يختلف عليه أحد، وإن كنا نختلف حول أسبابه، وآليات مواجهته، وربما تداعياته في المستقبل.

انتقاد الحكومة مسألة مشروعة، ومطلوبة أيضا، ومهمة الكاتب أن يعبر بصدق عن الضمير العام، لكن ما حدث تجاوز المسألتين للإساءة والتجريح وتحميل الكلام ما لا يحتمل، وإذا كنا فيما مضى انتقدنا غياب الرئيس عن الاعلام، فمن واجبنا أن ننتقد منطق الاصطياد الذي تعامل به البعض مع تصريحاته، وكأن المقصود بالاستهداف هو شخصه، بصرف النظر عما يقوله ويفعله ، أو كأن ثمة من يترصده لتحميله وزر تراكمات من الأخطاء التي لا يمكن لحكومة أن تصححها بكبسة زر واحدة.

أعرف أن جبهة من القراء لن يعجبها أن تسمع كلمة حق في واقعة محددة تعرض فيها الرئيس للظلم، أتفهم ذلك بالطبع، لأن ما فعلته بنا الحكومات المتعاقبة أعمى أعيننا عن رؤية أي بصيص نور، أو حتى بصيص عدالة وإنصاف وأمل، لكن مع ذلك أقول، وأمري لله، لقد تعرض هذا الرئيس، كما لم يتعرض غيره، لموجات من الهجوم غير المبرر، تحمل بعضها غالبا، وحاول صادقا أن يقدم ما لديه، فأصاب أحيانا وأخطأ أحيانا أخرى، لكنه لم يتجبر، كما فعل غيره، بل ظل، على الدوام، صادقا مع نفسه، ومحبا لوطنه، ومخلصا في عمله.