الأربعاء 24-04-2024
الوكيل الاخباري
 

هل هم حقًا الأوائل ؟!



تلقيت ردودا مختلفة  على مقالي عن العشرة الأوائل الذين اصبحوا هذا العام عشرات العشرة الأوائل لكن التعليق الذي جاء من التربوي الكبير الأستاذ حسني عايش كان مختلفا جدا ويتجاوز الامتحان الأخير الى مفهوم الامتحانات كله فوجب علي زيارته لمزيد من التقصي والاستماع. وأنا اعرف أنه من المعارضين تاريخيا لمفهوم الامتحان في نظامنا التربوي.اضافة اعلان


القصة الطريفة التي اخبرني عنها عايش وأوردها في كتاب له مخصص للموضوع (امتحان عام أم استغفال للرأي العام – المؤسسة العربية للدراسات والنشر 2003) أنه  قام بتحضير اختبار مفاجئ للعشرة الأوائل في أحد الأعوام اثناء قدومهم الى التلفزيون الأردني لإجراء مقابلة احتفالية جماعية. وفي رأس الورقة وضع كل واحد علامته فقط وليس اسمه. كانت الاسئلة كثيرة وبسيطة وقصيرة لكنها غير مألوفة ولا تقدم في الامتحانات بل تجد بعضها في حزازير امتحان الذكاء. وهي تتنوع بين أسئلة علمية ورياضية وادبية،  وتقوم على التفكير والتحليل والاستنباط لاستنطاق الاجابة الصحيحة، ويقول عايش ان النتيجة كانت مفجعة وأن الأسئلة اربكت الطلبة ولم تتم الاجابة على الكثير منها ولو انها كانت فعلا امتحان التوجيهي لرسب العشرة الأوائل. والسبب مفهوم فالطالب يستهلك طاقة دماغه القصوى على حفظ اكبر كم من المعلومات على حساب بقية قدرات الدماغ مع ان ثلاثة ارباع المعلومات لن يحتاجها ويعود لها ابدا بعكس بقية القدرات والأدوات التي تضمر بفعل الاهمال مثل المنطق والتحليل والتفكير النقدي.

ويقول عايش ان هذه النتيجة لا تدين الطلاب بل منهج التعليم الذي يقوم على التلقين والحفظ الأصم - أو البصم – لامتحان يعتمد مظهرا أحاديا من مظاهر الذكاء هو الحفظ، بينما الذكاء هو شيء اكثر تنوعا وتعقيدا بكثير مما يكشف عنه هذا الامتحان. والعلامات تظلم الأغلبية من الطلبة وتضعهم تحت تصنيفات غير عادلة لا تخدمهم ولا تخدم المجتمع والتنمية. وحسب عايش  فإنه بين فئة المعاقين مرضيا والموهوبين العباقرة فجميع الطلبة  لا يتفاوتون كثيرا في القدرات العقلية بل يتنوعون. فهم جميعا يتعلمون بصورة مدهشة كل المهارات الضرورية في السنين الأولى قبل المدرسة لكن يبرز تنوع في الاهتمامات والقدرات باتجاه أو آخر، ثم يدخلون ماكنة التعليم الصماء لتفرض عليهم نمطا واحدا اكراهيا اجباريا لا رأي لهم فيه يلاحقهم بالتصنيف الدوري، أي الامتحان والعلامات الصمّاء الغبية. والذكاء وفق احدث المفاهيم لا يمكن اختزاله الى المقياس الرقمي فهذا المقياس فرضته وعممته على كل شيء - كما يقول عايش - الثقافة الأمريكية المهووسة بتحويل كل شيء الى كم  ومقياس رقمي وأصل هذه الميل هو تشريع التراتبية والطبقية والتمايز والامتيازات والربح وقد أصبحت الامتحانات في الولايات المتحدة من اضخم اعمال البزنس تديره شركات ربحية عملاقة مددته الى العالم كله كما نرى في امتحانات السات.

الحديث يطول وهو خلافي جدا بشأن مفاهيم التعليم ومعنى الامتحانات خصوصا في زمن الثورة المعرفية والمعلوماتية التي الغت تقريبا وظيفة الحفظ. لكن ما يعنينا في الأمد المباشر وبمناسبة النتائج العجيبة لامتحان التوجيهي هذا العام هو ضرورة التوقف لحوار حقيقي ونزيه. لا يمكن بقاء القرارر حبيس الأطر البيروقراطية الضيقة للوزارة. يجب فتح ورشة مراجعة وطنية عميقة حول الامتحان شكلا ومحتوى وإنها لخسارة عظمى ان لا نستفيد من الخبرات العميقة والعظيمة لهؤلاء الكهول السابقين لعصرهم أمثال حسني عايش و ذوقان عبيدات وغيرهم في اطار تطوير معين لمحتوى الامتحان ودوره في توجيه اساليب التعليم.