السبت 20-04-2024
الوكيل الاخباري
 

وُلِدنا لنتألم



رأيتُ سيدة تدخّن بشراهة مفرطة. هي لا تسحب أنفاس سيجارتها. لا تتمتع كما يتمتع المدخّنون . بل كانت تشعل سيجارة من سيجارة وحين تسحب النَّفَس فإنها تحاول ابتلاع السيجارة بأكملها كأنها تريد عقابها أو تريد عقاب نفسها.اضافة اعلان

لا أعرف لماذا استوقفني المشهد. بالتأكيد أن حكايةً وراء تلك السيدة. بالتأكيد أن تصرفها حين أشعلت خمس سجائر متتابعة (هذا فقط حين لاحظتها) ليست عملية قهرية وحسب. هذه السيدة مجتمع عربي متكامل ؛ مجتمع يسابق الأنفاس ويستحضر اللهاث. مجتمع يريد أن يسابق الموت البطيء ؛ يريد أن يحتجّ على نفسه بنفسه؛ يريد أن يتلذذ بقهره.

نعم وألف نعم ؛ أشعر كثيراً من المرات بأننا (مازوخيّون أو ماسوسيّون)؛ نسعى خلف ألمنا ونصنعه ونضخمه و نزيد عليه بهارات وتوابل كي نتعاطاه بلذة فائقة. كي نضعه في جيوبنا ونخرجه ونمضغه ولا نتشردق به كي نقول لكل من يرانا: نحن نتألم.
نحن مجتمعات لم تراجع حساباتها لأنها فقدت دفتر الحساب وذاكرتها مثقوبة ولا نعرف كيف نتواطأ مع أنفسنا إلا بزيادة الألم. نحن نتألم كي نلفت الأنظار فقط ؛ ولا نتألم كي نبدأ رحلة العلاج من الألم. نحن يصدق علينا القول: وُلِدنا لنتألم.
نفسي أشعل عشرين سيجارة مع بعض كي أثبت لكم أنني مقهور وأتألم ومش طايق حالي.