الجمعة 2024-12-13 01:15 ص
 

أبو عودة يتوقع "سايكس بيكو سوري"

11:50 م

الوكيل - يغوص المفكر السياسي عدنان أبو عودة في تاريخ المنطقة ويفكفكه، معيدا قراءته شموليا بما يؤكد أن العرب في صراعهم المديد مع الحركة الصهيونية عانوا وما زالوا من قصور في وعي المفاهيم، التي تستند اليها إسرائيل بصفتها قائمة على أيديولوجية 'صبورة' في تحقيق أهدافها.اضافة اعلان


متتبعا سيرورة الصراع في المنطقة، لا يرى أبو عودة في حوار مع 'الغد'، أي مؤشرات لانبثاق وعي استراتيجي أردني- فلسطيني- عربي، لإسرائيل وعدوانيتها التي لا تعرف معنى للاتفاقيات أو الاتفاقات أو التفاهمات، مبديا خشية كبيرة مما يضمره كيان الاحتلال للاردن، الذي ترى فيه أوساط اسرائيلية نافذة، 'وطنا بديلا' أو 'فلسطين' غير تلك التي تعرفها الجغرافيا والتاريخ.

فالصبر الصهيوني المثمر والمضمر، يرى أبوعودة أنه تجسّد في الفترة ما بين انعقاد مؤتمر بال في العام 1897 ومقارباته الشهيرة التي تموضعت على الأرض 'كيانا' سياسيا بعد نصف قرن، أعقبها مخطط حلّ أوان إنفاذه بعد عشرين عاما. وتساءل أبو عودة، 'ما إذا كنا نعيش حاليا فترة صبر جديدة للمشروع الصهيوني في المنطقة؟ وما هي تبعات ذلك أو مقدماته أو خطواته بعد إخراج العراق وقبله مصر، والآن سورية من دائرة الفعل؟

تفاوضيا، يرى أبوعودة أن هناك جهلا في المفاهيم يغرق المفاوضين الفلسطينيين مع إسرائيل، ويتجلّى في قبول بحث 'أمن إسرائيل' بصفته أولوية، ما يعني 'أنك توافق مسبقا على التخلي عن الأرض للمحتل'. وقال مستفيضا: 'يجب أن يعمل المفاوض الفلسطيني لكي ينتزع من المحتل الاسرائيلي اعترافا بأنه محتل للارض التي يتوجب عليه إخلاؤها، لكي تقوم الدولة الفلسطينية بشكل حقيقي، وهي قادرة حينئذ على حفظ أمن جيرانها، ومنهم إسرائيل'.

يتساءل ابوعودة عمّا إذا كان المفاوض الفلسطيني يعي حقيقة أن اسرائيل 'تفاوض' من منطلق انها محررة لأرضها؟ وأن الفلسطيني يشكل مشكلة بالنسبة لها، مستثمرة الوقت في تيئيسه وانتزاع مزيد من التنازلات منه، فضلا عن المضي في برنامج تهويد الارض وتغيير معالمها بشكل نهائي.

وأضاف أن هناك غيابا تاما لفهم عربي لما يعنيه مفهوم 'شراء الوقت' الذي تمارسه اسرائيل عبر عقود الصراع، لافتا الى أن العرب ومن بينهم قياديون في فتح وحماس يدركون نصف حقيقة ما يرمي اليه هذا المفهوم، الذي يكتفون باعتباره طريقا لمزيد من الاستيطان وتهويد الأرض وفقط.

أبو عودة يستدرك موضحا أن الحقيقة الكاملة تقول إن إسرائيل تدرك أن سيرورة الصراع تضغط على الضعيف في المعادلة لكي يغير من أولوياته، وهو ما حدث فلسطينيا بدءا من التنازل عن الميثاق الوطني الفلسطيني وتغيير اهداف منظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح في إزالة اسرائيل، ومن ثم القبول بتسوية على 22 في المائة من أرض فلسطين التاريخية، بينما تتحدث اسرئيل الآن عن تنازلات جديدة تتجاوز القدس الشرقية الى تحويل بقية الاراضي الى جيوب لا معنى لقيام دولة عليها.

ولأن المشروع الغربي في المنطقة يقوم في مرحلته الحالية، على مبدأ 'تقسيم المقسم'، يقول المفكر ابو عودة، إن الغرب يستدرج المنطقة ويبتز جغرافيتها لتأمين مزيد من عناصر السلامة لإسرائيل' ما يستوجب استثمار ما يجري في سورية لصالح إسرائيل'.

لكن أبو عودة لا يتردد في اعتبار ان الحل في سورية حسم لصالح روسيا التي أبرمت اتفاقا مع دمشق لاستثمار حقول النفط والغاز في المتوسط، ما يعد 'المرة الأولى التي تصل فيها روسيا فعليا الى المياه الدافئة'، متسائلا عن أسباب صمت الولايات المتحدة على خطوة من هذا الحجم ستفضي إلى إقدام روسيا على نصب منصاتها العائمة قبالة السواحل السورية بوجود أسطولها البحري.

ويرى ان الاتفاق السوري الروسي يوجد ميكانيزمات جديدة لحل الصراع وحسمه لصالح موسكو التي تكون فازت بمعادلة المصالح الاستراتيجية.

وعند ابو عودة، فان 'الجغرافيا تفرض نفسها على فكرة التقسيم' في سورية، التي يمكن أن تكون 'دولة اتحادية من سُنّة وعلويين وأكراد'، في تجسيد لـ'سايكس بيكو سوري' يخرج هذا البلد المركزي من دائرة الصراع مع إسرائيل التي سيتوطد أمنها 'وهو المخرج النهائي لحل دولي يجري في ضوئه إخماد البركان السوري'.

الأردن والربيع العربي

ويرى المفكر السياسي عدنان أبو عودة، أن الأردن نجا مرحلياً من تداعيات الفوضى وليس من أي تداعيات اخرى، لافتا الى ان البلاد نجحت في تجنب فراغ السلطة وما ينتجه من فوضى، والسبب هو توافق الاردنيين على النظام، وذلك بخلاف ما حدث في البلدان الاخرى التي طالبت شعوبها أولاً بإسقاط الأنظمة.

وقال أبو عودة الذي عمل 12 عاما وزيرا في عدد من الحكومات، فضلا عن عمله لثماني سنوات في الديوان الملكي الهاشمي، إن الاردن سيدخل العام الجديد محملا بهموم وأوزار 2013، مشددا على أن الناس اكتسبوا مفاهيم جديدة عن العدالة الاجتماعية ودولة المواطنة، وهي مكتسبات تتضاعف أهميتها مع التعديلات الدستورية. واستدرك قائلا إن 'الفشل يبقى قائماً في قانون الانتخاب الذي يلحق أذى بمفهوم المواطنة التي تعني غياب التشاركية السياسية والاقتصادية، ما يفضي الى تسيد السلطوية والاستبداد'.

واضاف ان الاصلاح الحقيقي الجاد يبدأ بتثبيت مفهوم المواطنة والتمتع بالحقوق كاملة ما يجعل الانسان مدافعا حقيقيا عن وطنه، لافتا الى ان بيئة المواطنة تؤسس للتعددية السياسية الحقيقية، التي تنتج الجدل والحوار وتطور القيم والمعارف والمفاهيم والتداول السلمي لسلطة تبعاً لتصويت الناخبين ومفاضلتهم بين البرامج السياسية.

واشار الى ان الملك عبدالله الثاني دعا غير مرة الى قيام احزاب لكن الواقع يقول ان هناك فشلا ذريعا على هذا الصعيد، وهو ما يجد تفسيره في ان النظام الامني الذي ارسى مفاهيم طاردة للتعدد السياسي والتحزب يلعب دور حجر العثرة أمام تشكل أو قيام أحزاب جماهيرية.

وقال إن ما هو قائم 'ليس أحزاباً وإنما شلل منفعية لا يهمها تطوير المجتمع والانخراط في عمل دؤوب لتغييره، وهذا الواقع لا يتيح حياة سياسية راقية'.

واضاف ان الاردن يحتاج الى أحزاب تتنافس برامجها على تطوير الدولة والحياة السياسية لتصبح الدولة مدنية لكل مواطنيها وفيها تداول حقيقي للسلطة.

واعتبر انه 'لم تتشكل في الاردن، ذهنية جامعة الا بمعنى واحد فقط، وليس حول المواطنة، ولذلك علاقة بالاقتصاد. كل اردني يعرف انه يعيش براتب الحكومة التي يعرف أنها تأتي من المعونات الخارجية والضرائب، ولذلك فان الاردني موال للنظام الذي يعرف أنه قادر على المجيء بهذه المعونات الخارجية'. أبو عودة يرصد 'تنافسا في الولاء والموالاة، وهو تنافس جهوي سلبي لأن مفهوم المواطنة أصلا غير قائم وفي غيبته تنشط الهويات الفرعية بقوة' . وأوضح أن 'الأردن بني كوطن بمفهوم أن نموذجه الاقتصادي تغير من الرعاية وخضوعها للسنوات العجاف والقحط إلى بديل هو دولة الوظيفة وما أدى إلى انتشار العقلية الوظيفية والاعتماد عليها، وهو ما يعني غياب المبادرة للقيام بعمل خاص، لأن الإنسان مضمون شهريا في الخدمات جميعا، والسبب في هذه العقلية هو قلة موارد الدولة'.

ويستذكر أبوعودة أن 'أكاديمية أميركية جاءت زائرة إلى الأردن في الثمانينيات لإعداد رسالة دكتوراة عن السياسة الخارجية الأردنية، فكان أن أعدت رسالة قيمة أصدرتها كمؤلف يقوم على فكرة بسيطة تكثف الوضع وتختزله بعمق وتقوم على جملة واحدة وهي أن 'السياسة الأردنية مبنية على موازنة الموازنة'. وقال: 'كان هذا الاختزال تعبيرا دقيقا عن واقع حال السياسة الأردنية التي تفتقد لمفهوم السياسة السكانية التي يأخذها واضع السياسة بعين الاعتبار لدى وضع السياسة المالية، فالزيادة السكانية تعني إنفاقا متزايدا على المدارس والصحة والطرق والخدمات الأخرى'.

وأضاف أن ما يفاقم الأمور في الأردن هو افتقاده إلى الاقتصاد الانتاجي الذي يدفع الى مزيد من التوظيف العشوائي وتضخم الجهاز الإداري، 'ولنا في البلديات وأمانة عمان وكثير من المؤسسات العامة أمثلة كثيرة'. وقال ان هذا الواقع يدفع الى التساؤل عن تمويل هذا الجيش الجرار من الموظفين ما يدفع بدوره كذلك الى الاستدانة من الخارج واختراع أنواع جديدة من الضرائب.

وهو يطالع جغرافية المنطقة وقوس أزماتها المتدحرجة يقول أبو عودة :'حظ الأردن سيئ وفق سايكس بيكو الذي أنزله في موقع يتوسط جيرانا اقوياء في الجغرافيا والثروات والموارد البشرية والمالية. وجاء انشاء اسرائيل كقوة متفوقة عسكريا وتكنولوجيا ليضاعف هموم الموقع ويضاعف مشاغل الاردن'.

وتحت ضغط الجغرافيا وتموضع الاردن وسط أقوياء، لفت أبوعودة الى أن الملك الراحل الحسين وجد أن حل هذه الاشكالية يكون باستراتيجية تقوم على 'اللجوء او الركون الى قوى منسجمة إلى حد ما، وهي ضمت تاريخيا ثلاث جهات، قوة دولية وأخرى إقليمية، إضافة الى الضرائب التي تجبى من المواطنين'. وقال ان 'هذه المعادلة ثابتها الوحيد هو الضرائب أما العنصران الآخران فيتغيران وفق معادلة موازين القوى دوليا واقليميا. فكانت بريطانيا هي القطب الدولي الداعم الرئيس للاردن حتى العام 1956، ومن ثم الولايات المتحدة الاميركية وحاليا الاتحاد الاوروبي، اما في الاقليم فقد كانت دول الخليج وخصوصا المملكة العربية السعودية هي السند الرئيس لتمويل الدولة'.

واضاف ان الملك الحسين بادراكه لتبعات موقع الأردن بين أقوياء متنافسين وغير متحدين وان الغرب قد يغير من اولوياته 'فهم انه لا بد من ركيزة عربية يعتمد عليها. ففي عقد الستينيات من القرن الماضي تعززت علاقة الاردن بالمملكة العربية السعودية، في ظل اجواء معادية سادت بعد وصول حزب البعث الى الحكم في سورية والعراق ومن ثم ثورة يوليو ومجيء الرئيس عبدالناصر الى الحكم في مصر، ومحاولة قيام الوحدة الثلاثية بين مصر وسورية والعراق'. واشار الى أن متغيرات عقد الستينيات أملت كذلك السعي إلى ما سمي 'الحلف الإسلامي' الذي جمع الاردن والسعودية وإيران، خصوصا وان الساحة المحلية شهدت تطورا سياسيا في إقدام مجلس النواب على إسقاط حكومة سمير الرفاعي في العام 1963، وهي أول مرة يجري فيها إسقاط الحكومة برلمانيا.

وأوضح أنه بعد هزيمة حزيران 1967 انتقل مركز الارتكاز الاردني الى مصر على خلفية أن البلدين خاضا حربا الى جانب سورية ضد اسرائيل، ادت الى نتائج وخيمة فرفع بعدها شعار 'إزالة آثار العدوان' الشهير' .

اما بعد رحيل الرئيس جمال عبدالناصر في 28 ايلول (سبتمبر) 1970 فقد دخلت المنطقة مرحلة مختلفة كان عنوانها الرئيس هو سياسات الرئيس المصري الراحل محمد انور السادات، الذي انتهج سياسة مغايرة لسياسة سلفه، منكفئا الى الشأن المصري الداخلي، حسب أبوعودة الذي وصف السادات بأنه كان 'مفتقدا للبعد الأخلاقي في العلاقة مع الأردن أي أنه رفض السياسة التي مارسها الرئيس عبد الناصر، الذي ساعدت مسؤوليته الأخلاقية في جعل مصر ركيزة للأردن شريكها في الحرب.

وقال إن سياسة السادات الانكفائية اضطرت الاردن للركون الى سورية التي أصبحت ركيزة في العامين 1975 - 1976 ومشاريع الوحدة المعروفة.

هذا التنقل في إيجاد الركائز، يلاحظ أبوعودة أنه 'يفسر أهمية أن يكون للأردن ركيزة إقليمية، فالغرب يحميك ويدعمك ولكن لا يعتمد عليه بشكل نهائي، اذ كان الاردن دائماً بحاجة الى قوة عربية تقف الى جانبه في التجمعات العربية لكي لا يكون وحيداً أو محاصراً بين الأشقاء'.

ويسجل أبوعودة أن آخر ركيزة عربية للأردن كانت عراق صدام حسين.

أما اتفاقية السلام في وادي عربة في 1994 فيرى فيها أبوعودة 'نقطة تغير كبير أدت إلى أن الخوف الأردني من العدوان الإسرائيلي تلاشى، يضاف إلى ذلك أن ما صور بصفته 'حرصا إسرائيليا' على الاردن دفع الى تعزيز هذا الفهم في الاردن، وهو مفهوم قاصر عن الإحاطة بطبيعة السياسة الاسرائيلية وحقيقة الايديولوجيا الصهيونية بصفتها عدوانية غير متعجلة'.

أبوعودة يصف الحركة الصهيونية بحركة صبورة، عقدت مؤتمرها الاول في بال السويسرية في 1897 الذي وضع مقارباته الشهيرة في الوصول الى 'وطن لليهود' اذ استغرق انفاذ تلك التصورات نصف قرن وهو ما تجسد في قرار تقسيم فلسطين. واعتبر ابو عودة ان هذا الفهم يفتقده العرب منذ بدايات صراعهم مع الصهيونية، التي تجسد صبرها كذلك في ان احتلال كامل فلسطين جرى بعد عشرين عاما من قرار التقسيم. 'ونحن هنا إزاء عدو يعرف اهدافه بدقة وطرق الوصول اليها باستغلال الظرف الدولي والتحالفات وبناء قدراته الذاتية. لذا فان أخشى ما أخشاه بعد وادي عربة 1994 هو ماذا ستفعل إسرائيل بنا؟!'، حسب أبوعودة، الذي قال ان هناك صوتين اسرائيليين - الأول استراتيجي يقول: انتبهوا واحرصوا على الأردن فهو مهم جداً لنا - وهناك صوت آخر أيديولوجي يقول إن 'إسرائيل يجب أن تنهي أمرها مع الأردن باعتباره فلسطين'.

وتساءل قائلا: متى تقرر إسرائيل التخلص من هذه المعادلة؟!

وقال: هذا كلام ليس متداولاً لا في الفكر ولا في السياسة، إمّا جهلا لطبيعة التفكير الاستراتيجي الاسرائيلي وإما خشية من الكلام فيه'.

وأضاف: 'لا يعرف العرب أن الوثائق الاسرائيلية بعد احتلال الضفة الغربية في حزيران 1967 تقول ان اليهود حرروا أرضهم وهم تصرفوا في الضفة الغربية كمحررين لا كمحتلين، فصارت مشكلتهم أنهم واجهوا سكاناً آخرين من جنسية أخرى وهم الفلسطينيون. فلجأت إسرائيل إلى المستوطنات للتخفيف من الوجود الديمغرافي الفلسطيني. وهم منذ 1973 الى اليوم نادمون لأنهم لم يهجروا اكبر عدد من الفلسطينيين'. أما كيف يتحقق لإسرائيل التخلص من الشعب الفلسطيني 'فلا يكون إلا بحرب كبيرة'. وقال إن 'هذه كلها عوامل يجب أن يأخذها صانع السياسة الأردنية بالاعتبار وهو يبني استراتيجية في التعامل مع إسرائيل التي لن تكون صديقاً ولا يجب التبسيط من خطرها مرحلياً وإستراتيجياً. ولا يجب الركون الى الزعم القائل بـ'أننا وإسرائيل أحباء'.

واعتبر أن 'في الفهم التبسيطي لإسرائيل، إخلالا بفهم معادلة الصراع بشكل مخيف'، التي عملت على ضرب الجيش العراقي وفكفكت وحدة البلاد. أما في سورية فالنتيجة مشابهة، ومصر مشغولة بمشاغلها وهمومها الداخلية'.

وقال إنه لم يعد هناك أي تهديد عربي حقيقي لإسرائيل، فكل بلد عربي لديه مشكلاته التي تغرقه، 'لكن مشكلة الاردن مضاعفة وتكمن في الجوار المباشر لاسرائيل وحمل تبعات القضية الفلسطينية التي لم تحل حتى الآن. فمن مصلحة الأردن الكبرى أن تنشأ دولة فلسطينية مستقلة حقيقية ذات سيادة على كامل الأراضي المحتلة في عدوان حزيران 1967'، حسب أبوعودة.

لافتا إلى أن الأردن اليوم متورط في المديونية التي تجاوزت 25 مليار دولار، يستدعي أبو عودة، التاريخ موضحا، أن دائني مصر في القرن التاسع عشر في عهد الخديوي إسماعيل طلبوا إعادة أموالهم، فلما فشلت حكومة الخديوي بإعادة الأموال المستدامة فرضت الدول الدائنة على الخديوي القبول بأن يكون وزيرا المال والأشغال أجنبيين، وقد فرضتهما فرنسا وهولندا وكانت مهمتهما مراقبة المالية والإنفاق وضبطهما لمصلحة الدائنين.

وقال: 'لدينا يحدث ما هو مشابه عبر وصفة يضعها صندوق النقد الدولي لكي تلتزم بها الحكومات'.

واعتبر أبوعودة أنه حين يتحدث مسؤول أردني عن ان الاردن معني بالحقوق المالية لمواطنيه اللاجئين فهو يقصد المساهمة في تحسين الوضع المالي في البلاد، لافتا الى انه 'يبدو من المستقر انه لا عودة للاجئين وحتى السلطة الفلسطينية تتحدث عن 'جمع الشمل' وهو مفهوم يختلف جذريا عن حق العودة، الذي يعني ان الارض لك، أما 'جمع الشمل' فهو مفهوم انساني، يتفضل محتل الأرض باعطائه من منطلق انساني لعدد هزيل من اللاجئين' في الشتات.

فلسطين: القبول ببحث 'أمن إسرائيل' أولا يعني التنازل عن الأرض

ويعتبر أبوعودة، أن قبول الرئيس الفلسطيني محمود عباس بوجود جيش اميركي في الغور الفلسطيني المحتل بدل جيش الاحتلال، 'أهون الشرين'، مستدركا في ان المشكلة الحقيقية تكمن في فهم السلطة ومنظمة التحرير الفلسطينية لمعنى ان القبول ببحث الأمن الإسرائيلي باعتباره أولوية.

وقال: 'ذلك لا يجوز، فالأساس أن يجري الارتكاز لمبدأ 'أن الأرض لي وعلى اسرائيل المحتلة أن ترحل عنها وساعتها أتحدث معها عن الأمن، فالأمن الإسرائيلي حين يبحثه أو يعتبره الفلسطينيون أولوية يعني أنهم فقدوا الأرض، وهو يعني أنك انتقلت الى أن تفاوض لتحقيق أمن إسرائيل وهذا خطأ في المفهوم تورطت به السلطة الفلسطينية ومفاوضوها'.

أبوعودة، يؤكد أن تقديم بحث 'أمن إسرائيل' 'يأخذ الأرض من الفلسطيني'، مرجحا ان هذا القبول 'ناتج عن جهل بطبيعة الصراع'. وقال إن 'هناك جهلا فلسطينيا كبيرا في فهم اسرائيل' على الرغم من معايشتها لعقود، فهي 'تتعامل من موقف المحرر لأرضها وأنت كفلسطيني مشكلة بالنسبة لاسرائيل، التي لا تفاوض بصفتها محتلا عليه أن يخلي الأرض لصاحبها.

واضاف ان إسرائيل توظف المفاوضات لشراء الوقت، وهو ليس كما يظن العرب فقط من أجل بناء المستوطنات، موضحا أن الاحتلال يفهم جيدا أن 'الوقت كفيل بأن يشكل عامل ضغط على الضعيف في الصراع ليغير أولوياته'.

'تغيير الاولويات نحو الأسوأ، حدث حين غيرت حركة فتح برنامجها ومنظمة التحرير الفلسطينية ميثاقها بالغاء انهاء اسرائيل الى الاعتراف بها، فالقبول بالضفة الغربية وغزة فقط، والآن يقبلون بتبادل أراض وقبول وجود جيش اجنبي على الحدود'، حسب ابو عودة الذي قال ان هذه التراجعات والتغيير في الاولويات عملت عليه اسرائيل عبر الوقت الذي راهنت عليه بانتزاع مزيد من التنازلات.

واستذكر ابو عودة حديثا ثنائيا جرى مع عضو المكتب السياسي لحركة حماس موسى أبو مرزوق قبل سنوات، لافتا الى انه 'خلال الحديث سألت أبو مرزوق عن معنى مفاوضات، فأجاب بأنها مزيد من المستوطنات، فقلت له، إن هذه نصف الحقيقة اما النصف الآخر والأخطر هو أن اسرائيل تراهن خلال شرائها وقت الصراع على ان الطرف الأضعف سيتنازل وسيبدل أولويته إلى الأسوأ'.

وشدد على انه 'لا بدل عن فهم جدلي لاسرائيل وطبيعة تفكيرها'، لافتا الى ان حيثيات ما جرى منذ التورط في اتفاقية اوسلو الى الآن تؤكد ان الفلسطينيين 'لم يدركوا ان خطورة هذه القفزة تكمن في ان اسرائيل ستدفعهم الى مزيد من التنازلات'. وقال: 'أذكر ان مفاوضين فلسطينيين واردنيين كانوا يؤكدون انه اذا ما اعترفنا باسرائيل فإنها ستعطينا حتى حدود التقسيم'، معتبرا أن هذا النمط من التفكير يثير الحزن والشفقة، خصوصا وانهم يتصدون لمسائل خطيرة في الصراع مع اسرائيل.

واضاف ان الفلسطينيين تنازلوا حتى القبول بـ 22 ? من أرض فلسطين التاريخية في حين كان قرار التقسيم يعطيهم 46 ? من أرض فلسطين، فيما تبتزهم اسرائيل حاليا لمزيد من التنازلات.

وقال: 'الأميركيون منحازون لاسرائيل على طول الخط. واذكر هنا ما حدث في مفاوضات أنابوليس، اذ شارك حينئذ احمد قريع وكونداليزا رايس وتسيبي ليفني، فأراد قريع ان يستغل الفرصة بوجود رايس لأن ينقل طلباً فلسطينياً بضرورة ان يكون للفلسطينيين مطار، فكان الجواب مباشرا على لسان كونداليزا رايس نفسها حين بادرته بالقول: مستر قريع ألا تعتقدون أن الفضاء الجوي الفلسطيني ضيق ولا يتسع لمطار.. فلماذا لا تطلبون مطاراً في الأردن؟!، الأمر الذي أعاد الحديث فيه مجددا قبل نحو ثلاثة اسابيع صرح وزير الخارجية الأميركي الحالي جون كيري.

واضاف ان هذه أمور تفصح عن النوايا المضمرة لدى الأميركيين، الذين يفصح موقفهم من مطلب المطار الفلسطيني بدقة عنه، فيما اسرائيل تتحدث عن الارض بصفتها صاحبها وانها يمكن ان تمنح فلسطينيين إقامات دائمة كجالية على أرض إسرائيل.

مستعيدا تاريخ الاحتلالات في العالم يقول أبوعودة، إنه لم يحدث في التاريخ أن أصبح صاحب الأرض أو المحتلة أرضه مقيماً أجنبياً في بلاده، مستدركا بأن: 'في التاريخ دائماً ما يسمى حدث أول مرة أو 'السابقة' أو المرة الأولى وهو ما تعول عليه اسرائيل'.

واضاف: 'في الأندلس نحن فشلنا في البقاء على الرغم من 784 سنة من الوجود الحضاري، وفي الحروب الصليبية جاءنا الغرب ليستوطن لكنه فشل، كما فشل الفرنسيون في الجزائر، والانجليز في روديسيا وجنوب افريقيا، لكنهم نجحوا في نيوزلندا واستراليا. هناك اخفاقات ونجاحات في علاقة المستوطنين والمستوطنة، والخلاصة تقول إن الكثرة العديدة للمحتلة أرضه وتماسكه الثقافي من شأنهما ان يفشلا مشروع الاحتلال الاستيطاني'. وأوضح انه 'لذلك تقوم السياسة الاسرائيلية على بقاء العالم العربي مشتتاً وغير موحد ومن ثم تمزيق كل دولة عربية من الداخل، ولنا في العراق وسورية أمثلة'.

حصار حماس المزدوج يهدف إلى جرها للتسوية

يرى أبوعودة أن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بصفتها حكما في غزة المحاصرة مصريا وإسرائيليا، 'هي كمريض في مرحلة الإنعاش. ففي غزة تكاثر سكاني هائل وهناك فعل الإعلام الاجتماعي الذي يطلع الناس على ما يجري في الأعماق، هم يسألون حماس عن مصيرهم ومعيشتهم، فضلا عن أن حكومة حماس أصلا تتلقى رواتبها من أوروبا'.

واضاف ان 'رأس مال حماس بسيط وهو مرتبط بوقف الرواتب، وانظر ماذا سيجري هناك حيث سيستسلمون، لأن مجتمع الموظفين بسيط وليس مستبعدا أن تلتحق حماس بمشروع إطار كيري، وحصار حماس جزء من تفكير لاستدراجها إلى التسوية'.

أبوعودة لا يستبعد أن تلتحق حماس بمشروع التسوية الذي يقوده جون كيري 'وفق صيغة معينة مثل الانتخابات الجديدة، التي اقترحتها الحركة، دافعة بأنها لا تريد الحكومة في محاولة لتطمين فتح'.

أما شرطة حماس 'فسيجري نزع سلاحها واستيعابها بالجهاز الوظيفي'، لافتا إلى أن هناك أمثلة كثيرة لاستيعاب الثوار في الأجهزة الإدارية والجيوش النظامية.

وقال أبوعودة إن الحل الأميركي للقضية الفلسطينية 'قد يقتضي ان تقوم دول الخليج باصدار إقامات دائمة للاجئين الفلسطينيين لديها'.

القبول بأونروا إقرار بـ 1948 أرضا إسرائيلية

ولفت أبوعودة البالغ 80 عاما إلى أن القبول باسم 'أونروا' كمنظمة أممية لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين أسست في العام 1949، يعني إقرارا بأن الأراضي المحتلة في عدوان 1948 هي أراض إسرائيلية، فضلا عن أن القبول بأن تفتح لها مراكز في مدن الضفة الغربية وغزة يعني أن هؤلاء الذين ستقدم لهم المساعدات يعتبرهم القانون الدولي 'لاجئين' وليسوا 'نازحين' وأنهم ليسوا أصحاب وطن أو أرض وإنما مهاجرون أو لاجئون في بلد آخر، الذي هو دولة فلسطين التي تضم الضفة الغربية وغزة، وفق قرار التقسيم. واضاف ان هذا المعنى 'لا تعرفه قيادات فلسطينية وهي أمور خطيرة تغيب عن الفهم'.

سورية: الاستثمارات الروسية النفطية ديناميات تحسم الصراع

ولأن المشروع الغربي في المنطقة يقوم في مرحلته الحالية، على مبدأ 'تقسيم المقسم'، يقول المفكر أبوعودة، إن الغرب يستدرج المنطقة ويبتز جغرافيتها لتأمين مزيد من عناصر السلامة لإسرائيل، 'ما يستوجب استثمار ما يجري في سورية لصالح إسرائيل'.

لكن ابو عودة لا يتردد في اعتبار أن الحل في سورية حسم لصالح روسيا التي ابرمت اتفاقا مع دمشق لاستثمار حقول النفط والغاز في المتوسط، ما يعد 'المرة الاولى التي تصل فيها روسيا فعليا إلى المياه الدافئة'، متسائلا عن اسباب صمت الولايات المتحدة على خطوة من هذا الحجم ستفضي إلى إقدام روسيا على نصب منصاتها العائمة قبالة السواحل السورية بوجود أسطولها البحري.ويرى ان الاتفاق السوري الروسي يوجد ميكانيزمات جديدة لحل الصراع وحسمه لصالح موسكو التي تكون فازت بمعادلة المصالح الاستراتيجية.

وعند أبوعودة، فإن 'الجغرافيا تفرض نفسها على فكرة التقسيم' في سورية، التي يمكن أن تكون 'دولة اتحادية من سُنّة وعلويين واكراد'، في تجسيد لـ'سايكس بيكو سوري' يخرج هذا البلد المركزي من دائرة الصراع مع إسرائيل التي سيتوطد أمنها 'وهو المخرج النهائي لحل دولي يجري في ضوئه إخماد البركان السوري'.

وأكد أبوعودة 'أن تقاطعا غربيا روسيا في المغالاة بتضخيم قوة الجهاديين الاسلاميين في سورية لجعل هذا الموضوع هو الأولوية، وهذا لتغطية الأهداف الحقيقية وهي المصالح. أمّا الغاضبون الإقليميون فسيتقيدون برؤية القطبين الدوليين، وهو ضغط وصخب وغضب الحليف الذي يريد أن يذكر بخدماته لأميركا، التي لن تغير استراتيجيتها حيال سورية وغيرها'.

وقال إن سورية بحاجة لإعادة البناء، وقد يكون 'مشروع مارشال صغير'، إذا أن تكلفته تناهز 200 مليار دولار وهو يستدعي تدخلا أمميا لإعادة بناء مؤسسة الحكم، من سلطات تشريعية وتنفيذية والتعددية السياسية والمحافظة على السلم الأهلي، وعدم منع حزب البعث كما حدث في العراق لأن للاجتثاثات أثمانا باهظة.

وتوقع أن تقود الأمم المتحدة إعادة البناء في سورية منعا للحرب الأهلية، وأن تشارك الدول المجاورة في إرسال قوات الى سورية، التي سيبقى سيناريو تقسيمها قائما لتعيش اسرائيل، وهو يندرج ضمن مفهوم او نظرية 'تقسيم المقسّم'، من اجل اسرائيل.

واضاف ان اميركا تستقرئ موقف ايران من الملف السوري، الذي ليس من خطأ الظن انه كان حاضرا في جنيف الايراني، لافتا الى ان طهران 'ستكون موجودة وفق صيغة ما في جنيف 2 السوري'.

لبنانيا، يرى المفكر السياسي عدنان أبوعودة، أن حل الموضوع السوري وإخماد البركان هناك بصيغة ما سيؤدي لا محالة إلى تحول حزب الله إلى حزب سياسي، الذي خدشت صورته بتورطه في سورية، وهو يقاتل لحفظ صورة أيقونة البطل الشعبي، بتجنب خوض مواجهة جديدة مع إسرائيل تضر بصورته.

واعتبر أن لبنان أيّا كانت الحلول في سورية 'فسيبقى في تشكيلة نظامه الطائفي'، لافتا الى ان الحديث عن تغير النظام السياسي في لبنان سؤال كبير سيطرح بقوة كارتداد لظهور الغاز في البحر المتوسط .

مصر: ثورة يناير اجهضت والمسار يشي باقتفاء النموذج الفرنسي

مصريا اعتبر المفكر عدنان أبوعودة أن ثورة يناير أجهضت، 'ويبرز الآن عهد جديد قريب من العهد السابق، وقد تشهد مصر موجة ثورية ثالثة، لكن كل ما يجري الآن يختلف عن ثورة 25 يناير 2011'.

وقال إن وزير الدفاع المصري عبدالفتاح السيسي 'محض جنرال قام بانقلاب ولن يكون عبد الناصر ثانيا'.

وأضاف أن مصر عاشت عهدا إقطاعيا بائسا حفر في أعماقها ثقافيا، إلى أن جاء جمال عبدالناصر الذي أجهز على هذا النظام بكسر ظهره، لكنه كذلك أجهز على التعددية السياسية 'وربما كان ذلك مبررا،.

وقال إن المصري نما مدنيا في المدن الكبرى، وأثر الانجليز كان كبيرا فقد قاموا بعد إجهاض ثورة أحمد عرابي في ثمانينيات القرن التاسع عشر بادخال القانون الغربي الى مصر ليطبقوه على الأجانب في مصر ومن ثم طبق على المصريين، ما أحدث تحولا كبيرا في المفاهيم العامة.

واضاف ان المصري متدين عبر التاريخ وهو غير مغال في تدينه ويعيش ثنائية تجمع بين الانفتاح الثقافي والتدين، 'الأمر الذي أثار مخاوف من سياسة الإخوان المسلمين، لئلا يجهزوا على هذه الثنائية التي تعيشها البلاد منذ آلاف السنين، فضلا عن أن الاخوان أخطأوا في التقييم فـ'يناير' لم تصنعه الحركة بل صنعته نخب، وحين تسلم الإخوان السلطة اعتقدوا أن الأمر استتب لهم نهائيا، فبدأوا بمحاولة التغيير الشامل وهو ما أثار مخاوف اجتماعية واسعة'.

وقال موضحا: 'المصري يصلي ويذهب إلى المسرح والفنون، فخاف من أن يقوم الإخوان بإلغاء الحاجة الثانية'، وهنا مكمن خطأ الاخوان في أنهم اعتقدوا أن الفوز بالانتخابات تفويض للتغيير الشامل لهوية مصر. هم أغفلوا أنهم في مرحلة انتقالية والتغيير الشامل يأتي بعد ترسخ التعددية السياسية ومن خلال سياسات عميقة ومؤثرة'.

وتوقع ان تقوم نخبة الاخوان بدراسة التجربة لكي تعي خطأها في عدم فهم مصر وروحها.

وأضاف أن 'الفرعون ليس قدرا لمصر وما حدث بعد يناير أحدث تغييرا كبيرا في الوعي ما يفضي الى إحداث تغيير في نوعية الفرعون، فربما يكون فرعونا منتخبا، لكن 'الخميرة' التي أرستها ثورة يناير لن تقبل بالتراجع عن الحكم المدني وتجاوز مرحلة الدكتاتورية'.

وقال: 'ربما تكون البذرة التي بذرتها يناير 2011 كما هي الحال في بذرة الثورة الفرنسية التي أجهضت في العام 1789. ففرنسا انتخبت أباطرة بعد الثورة وخاضت ثورات لكنها رست أخيرا على الديمقراطية وربما يكون ما حدث في مصر شبيها بذلك'، متوقعا ألا تذهب مصر في طريق الجزائر 'ولا اظنها كذلك، لان الجزائر أخرت عملية التحول الديمقراطي وابتليت بالعنف الداخلي'.

الغد


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة