بعض الأحزان تحمل درجة من النبل، تجعلنا غير قادرين على البوح بها حتى لأقرب الناس لنا، بل ربما نكون في حالة من العجز بحيث نخجل من الحديث حولها بيننا وبين أنفسنا، ليس لأنها صغيرة جدا بحيث لا يجوز الحديث حولها، بل لأنها اكبر من أن تكون مدار حديث عام، ولكم واجهتنا نحن الذين نقف على ضفاف العمل العام، حالات إنسانية مدمرة لأناس لا يملكون حتى أداة للتعبير، غير عيونهم الفائضة بكبرياء مجروحة، ترفض أي شكل من أشكال البوح!.
لم يتغير شيء منذ دردشت مع القارىء حول هذه الأحزان، وها أنذا أستذكر بعضها مع القارىء، على ما فيها من إيلام!.
صادفته في دائرة حكومية، كان يحادث نفسه كمن فقد عقله، استمعت إليه عنوة، دون أن اتقصد ذلك، ربما بحكم قربي منه، كان يتمتم بما يشبه الشتم، بصعوبة بالغة التقطت بعض العبارات غير المفهومة، كان يبدو بلا «ظهر» يسنده لاتمام معاملته، يتحرك على نحو مترنح، بتحدث حول القانون الذي يختبىء في الدرج، ولا يطل برأسه إلا حين يقع في براثنه فقير، أو شخص عادي لا يعرف مراسلا في دائرة، حاولت أن استوضح منه سره، عرضت عليه المساعدة، نظر إلي متشككا، ثم أشاح عني بوجهه، قائلا: لا فائدة! ألححت عليه، رفض حتى أن ينبس ببنت شفة!.
في مكان آخر، كان يحمل بضع حبات من العلكة زهيدة الثمن، مددت يدي بقطعة نقدية صغيرة، ومضيت، ناداني: عمو أنا مش شحاد، خذ علكة مقابل نقودك، أو خذ النقود!
كانت يافعة إلى درجة تخيلتها تلهو في منزل باذخ، ملامحها الجميلة شقت غلالة البؤس التي تغطيها، أقسمت ان والدتها في الرمق الأخير ترقد على سرير في مستشفى عام، ولا مال لديها لاجراء عملية جراحية من المفترض أن تنقذ حياتها، رافقتها إلى المستشفى، دخلنا إلى عنبر طويل مليء بالمرضى، فوجئنا بسرير مغطى بشاش أبيض، يجره ممرضان، فيما كان سرير أمها خاليا، لم نجرؤ على السؤال، هرعت إلى السرير المغطى، كشفته، كانت أمها فارقت الحياة للتو!.
بحكم دراسته الصباحية في إحدى الجامعات الخاصة، كان يعمل ليلا في ناد ليلي! يقسم لي انه بحث عن مكان آخر للعمل فلم يجد، اغرورقت عيناه بدمعة متمنعة عن أن تسيل لفرط الكبرياء، قال لي: هل تصدق انني أصلي الفجر بعيدا عن العيون في مطبخ النادي؟ هل تصدق أنني أخشى أن أطرد من المكان بسبب هذه الممارسة السرية؟ هل تصدق أن بعضهم ينثر في الليلة الواحدة الف دينار على صدر ساقية رومانية أو روسية، وأنا أعرف أن هذا المبلغ ينقذ حياة عشر أسر اردنية؟ هل تصدق...، قاطعته قائلا: نعم أصدق، فهل يصدقون «هم»؟؟!.
هذه خلجات نفس، بحت بها منذ زمن، عدت إليها بالأمس، ولم استطع إلا أن أدفع بها مرة أخرى للقارىء، لعل من يعاني من مشكلات أقل مما يعانيه أهلها، أن يدرك أي نعمة يتمتع بها، مقارنة مع هذه الحالات!.
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو