الوكيل - بداية توحي هذه الرواية وبمجرد قراءة عنوانها أنها إحدى السيمفونيات الأخرى التي لن يصلح لكتابتها ولا لقيادة الاوركسترا التي تعزفها الا هذا المايسترو الذي يتقن جيداً تطويع مفاتيح اللغة والموسيقى للخروج بعمل بالغ الرومانسية والشجن، بحيث يغرَق القارىء بسحر السرد وفتنة الموسيقى وسرعان ما ينسى أن ثمة أبطالا قد يموتون في نهاية الروايات ..
فلا شك من أن من أدمن لغة ‘واسيني الأعرج ‘ بات يعرف أنه سيكون يمقدوره استرداد أحلامه ساعة يشاء وتعديل أحداث الرواية على النحو الذي يناسب مزاجه العاطفيّ ورغباته الخاصة لحكايته الشخصيّة لكي تصير أكثر رهافة وخفّة ضمن المستجدّات الطارئة على الكون من فوضى وموت وإرهاب وتغيّر طارىء على لون الورد وطعم الماء.
لكنه وفي ‘أصابع لوليتا’ تفوّق على مزاج القارىء وأخذه نحو ما لن يبحث عنه خلال بحثه عن رواية يرغب أن يجد فيها ما يشحن عواطفه ويشحذها الى تلك المحطات البالغة الهدوء والطمأنينة واستطاع وبكل انسياب أن ينزلق إلى قاع النفس البشريّة بكل شياطينها والإرتفاع إلى أواسطها الماديّة بكل ما فيها من ارتباكات وتعاريج ومن ثم التحليق عالياً إلى قمة الروح وتعاليها وانسحابها الدائم نحو الأعمق وسموّها في المشاعر البكر والشهقات الخافتة، وبأصابعه المحترفة جدل الحب والكراهية والموت معاً على رأس الرواية ولم يدع منفذاً للقارىء للهروب إلى الخصلة التي يرغب بتمشيطها لا بل وتعدى ذلك حين رمى بتلك الجديلة على عنق الوقت المضطرب باسطاً مفرداته البالغة الطمأنينة، شقراء شهيّة ما من مفرّ للخوض في تجاعيدها كوحدة واحدة إن انفلتت، تناقض المعنى وتشتت البيان.
يونس مارينا، (بطل هذه الرواية) الذي يفرض نفسه عاشقاً منذ الصفحة الأولى منها لمجرد عطرها، ‘نوة’ أو ‘ملاك’ أو لوليتا’ ذات الجسد الطفوليّ الجميل الذي يحمل في فتنته كل الغضب الساكت على الأب المغتصِب وتداعيات ممارساته الشاذّة على علاقتها بالرجل الوحيد الذي أحبته (كما ومع بقية الرجال العابرين ) والذي يسَجَّل انتحاره كحدث عابر في الرواية فيما تسجّل شطحاته الجنسيّة ولجوءه الى تعويض جسد لوليتا المحمّل بالرفض والشهوة والغضب بأجساد اللعب المصنوعة من الأكريليك والتي تفوح منها روائح المطاط، كحدث أكثر أهمية.
‘لوليتا’ تسحب معها يونس مارينا الى عوالم الموضة وعارضات الأزياء المحشوات بالجمال الاصطناعي والعارضات القدامى اللواتي نلن ما يكفي من الشهرة لأن يمتن وحيدات فيما صورهن تشكّل الرموز لأكبر لدور أزياء عالميّة، تأخذه معها إلى عوالم الشهوة التي تمارسها معه هو الذي يكبرها بأكثر من ضعف سنواتها الخمس وعشرين مثقلاً بعالمه الذي لا يتقاطع مع عالمها لا زماناً ولا مكاناً، وتعيش معه قصة حب مشتعلة لا يصلح لكتابة تفاصيلها كاتب آخر غير ‘واسيني الأعرج’ الذي يبرع في وصف المشاهد الحميمة والاختلاجات العميقة للروح والجسد حين يلتقيان في نقطة واحدة خارج حدود المفروض والمطلوب والمنطق.
‘يونس مارينا ‘ الذي اختار اسم بلدته مارينا التي تقع في الريف الجزائري ليحملها معه في غربته القسريّة هي والشال الأحمر الذي حاكته له والدته التي قضت مختلّة بسبب التعذيب التي تعرضت له على يد ذئاب العقيد في سبيل انقاذ (حميمد ) ولدها المطارد حتى نهاية حياته بسبب مقالاته المتخيّلة عن الريّس بابانا، الذي يلتقيه وبعد أن نفذت كل السبل للقائه صدفة بعد عدة عقود في المنفى.
بطل الرواية ‘يونس مارينا’ كاتب جزائري يعيش في باريس هو ولوحة الذبابة (التي تكاد أن تكون البطل الحقيقي في الرواية) محاطاً بحماية أمنية هائلة من الشرطة الفرنسيّة لتعرّضه للتهديد بالقتل على يد جماعة إرهابية اعتبرت أن رواياته وآخرها ‘عرش الشيطان ‘ فيها مساس وتطاول على الدين الإسلاميّ، يلتقي ‘نوة’ أو ‘ لوليتا’ عارضة الأزياء الشابة خلال حفل توقيعه لتلك الرواية لتبدأ أحداث هذه الرواية التي كتبها واسيني الأعرج.
لتشعُّب الأحداث وكثرتها في هذه الرواية ولمركزيتها ووحدتها على النقيض الآخر، لن استطيع القاء الضوء على كل حدث على حدة نظراً لأن كل بطل هو بطل رئيسي وكل حدث هو الحدث الأكثر أهميّة، لكني سأستطيع أن أقول أن هذه الرواية هي من الروايات التي تجمع الحب والكراهية والغضب والعقل والجنون والإرهاب في باقة واحدة
لوليتا أو نوة او ملاك التي تنفذ مهمتها بالانتحار وسط الشارع عوضاً عن غرفة الفندق مع مارينا او المقهى الذي يعج بالزوار لأنها لم تحتمل جرحها العميق ولا عشقها المجنون ليونس مارينا.
يونس مارينا الذي يستسلم لرائحة الموت التي تختلف عن كل الروائح الأخرى بعد أن يرى اشلاء جسد لوليتا التي عشقها بجنون، ولوحة الذبابة، التي تستسلم ايضاً للعتمة ويطفأ فيها المصباح وتغادرها ماريا ماجدالينا..
وموت عارم يحلّ بالصفحات الأخيرة من الرواية ليغلقها القارىء وهو يعيد تقييمه للموت وللحب،الموت؛ محض صدفة أما الحب فهو الطريق إلى كل الصُدَف، بما فيها ‘الموت’.
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو