السبت 2024-12-14 04:30 ص
 

أوغار: ثورة وطن ‘ثورة حب’

11:21 م

الوكيل - أوغار، الشاعر السوري الذي قضى سنوات في سجون الأسد، غادر بلاده مرغماً تحتَ سطوة الحرب، لكنه حملها معه في قلبه لينبضها في الغربة حنيناً وأملاً بالخلاص والعودة، فكان ديوانه (ثورة حب) انعكاساً لوجه وطنه الذي تقطّر من الدم في كلماتٍ حاول فيها الشاعر أن يستحضر كلّ الوجع، وكلّ القهر في صورٍ عفوية متلاحقة وكثيفة. اضافة اعلان

يُفضي العنوان الذي اختاره أوغار إلى تجليات الحدث المعاش في وطنه، فالثورة التي ولدت في الرحم السوري كانت من الحب وللحب، لأنّ كلّ من حمل رايتها إنما كان عاشقاً للوطن الحرّ، تواقاً ومحباً للكرامة. إنهم أولئك الهائمون بحب الوطن، الباحثون عن حريتهم رغم كلّ ما صبّه النظام القمعي للأسد فوق رؤوسهم، وقلوبهم من قمعٍ وذلٍّ وقهر وموت. يقول: (لا وقت إلا للحبّ، أو للموت حباً).
يكتب أوغار عن حريةِ شعبٍ مزقت شرانقها، وخرجت للنورِ فراشةً لن تمنعها النار من أن تطير، إنها الحرية التي (هبّت رياحها ولن يوقفها شيء). كيف لا تكون كذلك وهي ثورةُ ستغيّر وجه الوطن، ستعيد إليه ملامحه التي اختفت وراء عقودٍ من الطغيان. إنها ثورةُ البنفسج الذي يأبى أن يموت، حاملاً الأماني والرغبات التي لملمها أوغار في هذه الصورة فيقول: (بين السماء ودمشق ليس سوى الياسمين، هطل الياسمين، سقطوا هطولاً في الأرض، مع ذلك لم يبقَ سوى البنفسج).
وبما أنها ثورةُ البنفسج الحالم بالحياة والرافض للموت رغم الموت، فهي تختلفُ عن كلّ ثورات الربيع العربي، بل إنها تختلف عن كل ما جرى من انتفاضاتٍ في هذا العصر أو غيره من العصور السالفة. وجهُ الثورة في بلاده لا يشبهُ أيّ وجه، وهمجية القاتل لا تشبه أيّة وحشية ولا أيّ طاغية في أي عصرٍ من العصور. لذلك فأنت (لن تستطيع إمساك أصابعك، ولا حتى الكيبورد وستموت الأبجدية حزناً) أمام كلّ هذا الدم والخراب والركام، إنك في سوريا الآن تبدو أمام (هولوكوست سوري كامل)، (الآن تتراجع الصور النمطية في الذاكرة العربية للإسرائيلي، لليهودي عموماً، المرتبطة بالقتل والخديعة، تتراجع كل الصور الراسخة في ثقافتنا عن قتلة وجزارين وديكتاتوريين لتحل مكانها صورة الشبيح الذي يحمل سكيناً تقطر دماً وفي يده الثانية رأس طفل، لكان أقل خسارة، أن يقتلك الاسرائيلي او التركي او الايراني.. زملكا زملكا زم لكا، داريا داريا داريا .. كأنها نهاية العالم، إنها النهاية، النهاية فحسب وحق).
فالخراب فيها لا ينتمي (إلى العصور السالفة، من عالم الكوابيس والمنامات الداشرة كقطيع من هلامات سوداء لا هوية لها، صور مجهولة تتحول إلى سرطانات). ويخاطب أوغار من بين كل صور الركام السوري سفاحها الشيطان: (هذا خيار أن تقتل الأطفال أو يقتلك شبيح برصاصة في الظهر، يا ديناصور القتل تحتاج لتراب كثير كي تخفي بقعة دم، ولكي تخفي دم الأطفال تحتاج لجيش من الشياطين ….. ولكي تخفي نواياك أربعين عاماً أو خمسين لابد أن تكون رئيس الشياطين).
ينقل أوغار في شعره صور شعبه في سوريا، يكتبُ عن أهوالِ الحصار والموت، عن أطفال بلاده الذين سرقَ الشيطان حياتهم وأحلامهم. أطفال سوريا الذين يسجلون بأرواحهم أساطير الحرية، فهذا طفل درعا (لا يغمض عينيه لكنه يستحضر الأبدي في عينيه، انظر جيداً في وجهه، تحمله طيور الحرية، وجهٌ لا يقف بل يغنّي وهذا الطريق وراءه نهرٌ إلى الحقيقة).
في القسم الأول من الكتاب قصائد ومقطوعات حمّلها الشاعر أسماء أشخاص معتقلين أو مخطوفين، فهناك العديد من الإهداءات بالحروف الأولى أو بأسماء هي على الغالب رمزٌ لأولئك المعتقلين وكناية عنهم. كما يمنح أوغار مدينة دوما السورية جانباً من إحساسه، إنها عنوانٌ صارخٌ حيّ للمقاومة والصمود، ينسجها في (نشيد الرصاص) وجعاً وحياة، (الصرخاتُ التي مرّت بجانبي كان لها طعم البكاء وقهر لون الفجيعة، الصرخات كانت أقوى من رصاصهم…. نركض إلى الحياة، نقفز كقططٍ بريّة، كهياكل مظلمة طوّقها الموت، فتحولت وحوشاً تبحثُ عن ضوء).
وفي القسم الثاني من (ثورة حب)، يكتب أوغار عن حبيبته، وعن الحرية، وعن البحر الذي يبدو أنه مولعٌ به جداً. ويستعيد من وجه حبيبته الفلسطينية حجراً رماهُ عبر الحدود، إنه يجمع بين الحبّ والثورة في شريانٍ واحد، فالحب في زمن الثورة، حبٌّ يمتزجُ بنكهةِ الحرية، ويتدفقُ بعطاءٍ أكبر. ينسابُ إحساس أوغار الشاعر، وفكره في مقطوعات هذا القسم، فتأتي الصور هنا مليئةً بالجدّةِ والكثافة التي تتطلبُ من قارئها أن يقفَ أمامها مطولاً لاستنباطِ رموز جماليتها. وأخيراً يكتب أوغار عن عزلته، عزلة الشاعر في الحياة والحبّ والسجن، ثم يوصي: (لاتقل كلمتك وتمشي، بل إبق في الكلمة).


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة