الأحد 2024-12-15 06:00 م
 

الأبطال والأمل

08:11 ص
رغم كل الفواجع التي ألمّت بالمجتمع الأردني خلال الشهر الأخير إلا أن حيوية هذا المجتمع وتشبثه بالحياة كانت أقوى من كل هذه الفواجع بكل ما حملته من قسوة وآلام، يبدو ذلك بأنصع صوره في قدرة أفراد من بيننا على التضحية والفداء التي تصل بأنبل صورها في التضحية بحياتهم من أجل آخرين لا يعرفونهم وقد لا يمتون لهم بصلة. الشباب الأردنيون الذين ضحوا بأنفسهم في ملح البحر الميت وفي سيول مادبا، والشاب الذي لم ينتظر أو يتردد لحظة في محاولة نجدة طفلة غدر بها فخ على حفرة في طرف شارع عام؛ هؤلاء هم أبطال الأردن الحقيقيون وهم أنبلنا جميعا إلى جانبهم اؤلئك الذين يستشهدون بالإصرار على أداء واجبهم في أصعب الظروف في مطاردة تجار السموم والمخدرات أو مواجهة اضطرابات الطبيعة وأحوالها. اضافة اعلان

 هؤلاء الشهداء الغطاس حارث الجبور والشاب أسيد اللوزي وعائلة محمد العلي والملازم أحمد الرواحنة وغيرهم نسجوا ملحمة عظيمة من النبل والشجاعة التي قد تكون أسهمت بإنقاذ حياة فرد هنا أو أفراد هناك، ولكنها ملحمة حقيقية تمد جيلا بأكملة بقوة الأمل والاستعداد للتضحية من أجل الحياة. 
الوفاء الحقيقي لهؤلاء الأبطال وغيرهم؛ يتمثل في أن نخلق من هذه البطولة والتضحية معنى تتذكره الأجيال وتتعلم منه؛ في حياة كل الشعوب الحية لحظات فجيعة كبرى وخسران وآلام قاسية ترتبط بالتضحية والآثار من أجل الجماعة، وكي لا يموت الأمل وكي يتعلم الناس قيمة التضحية ومكانتها تعلمت تلك الشعوب الحية أن تخلق من التضحية معنى يدوم في الذاكرة ويجعل من اولئك الأبطال صورة من صور الإصرار على الحياة وقوة ملهمة في مواجهة فتك الطبيعة وفي مقاومة الفساد وفي إعلاء قيم الحياة.
كنا نردد أحيانا بأن واحدا من أكثر الأسباب التي دفعت نحو الخراب السياسي والثقافي والاجتماعي في بلادنا أننا فقدنا نماذج القدوة في العمل العام، تلك النماذج الناصعة البياض، القادرة على أن تخدم البلد والناس وأن تبتكر في الحلول الاجتماعية والسياسية أيضا والقادرة على خلق التوافق حولها في اللحظة الصعبة وإن جد الجد وجاءت اللحظة الفارقة فهي قادرة على التضحية بالنفس، صحيح فقدنا هذه النماذج اليوم، وللأسف لم نوثق في تاريخ الدولة الذي قارب القرن لهم وهم كثر. لذا؛ نشعر كثيرا في هذه الأيام أحيانا باللامعنى، ونشعر بالجفاف وأن ظهرنا مكشوف، فهل تمدنا هذه التضحيات الكبيرة بسرد جديد لنماذج أردنية تعيد نسج المشترك في حياة الناس. 
هل نجد أسماء هؤلاء الأبطال في الشوارع العامة، و على المباني العامة وفي قاعات الجامعات وفي صفوف المدارس، هل سنسرد قصصهم في مناهجنا التعليمية، وهل سنحولهم إلى ذكرى حقيقية للبطولة والتضحية وقوة تدفع الناس للتمسك بالأمل والإيمان بالإنجاز العام. 
ان الناس في بلادنا لديهم طاقـة كبيرة على التفاؤل والتعلم من نماذج القدوة والاعتراف العميق بالتضحية ايضا وكلما لاحت في الأفق ملامح أو وعـود بالتغيير يبدو واضحا حجم تعلقهم باستعادة الامل، ولكنهم في المقابل يملكون حساسيـة عالية للفشل قابلة للانتكاس والقنوط، كلما شعروا بالخذلان والنسيان والنكران ما يعيدنا إلى مركز الدائرة حول الحاجة الى سرد وطني جديد يعيد بناء معنى جديد للحياة العامة، ويؤكد حجم المشترك الكبير بين الناس وقيمة التضحية والحاجة الى استعادة الامل.


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة