عبدالهادي راجي المجالي
زمان كانت تأتي حملات من وزارة الصحة إلى مدارسنا لإعطائنا المطاعيم أتذكر أننا حصلنا على مطاعيم كثيرة منها :- الجدري, الحصبة، السعال الديكي....بالمناسبة هل السعال الديكي له علاقة بالديك ؟ كنا نصطف في طوابير، وندخل واحدا تلو الاخر إلى غرفة المدير..والغرفة كان بها الكادر الطبي وعلبة مليئة بالمطاعيم إضافة لوجود الحارس....ما هي وظيفة الحارس؟ في البداية كانت له وظيفة محددة وهي المراقبة ومع الزمن تطورت لقيامه ببطحنا على (الكنبايه) وتثبيتنا في اللحظة التي يرفض فيها أي طفل تلقي المطعوم.
أنا كنت في الرابع الإبتدائي وجميع المطاعيم التي تلقيتها كانت في الكتف ولم أبك مطلقا بل كنت نشميا أتحدى الألم...وكنت أحظى بكلمات مؤثرة من المدير كلها تؤكد على أنني بطل وشاطر...
وذات مرة تغير المشهد...فالحارس لا يراقب وثمة صراخ ينطلق من فتية الصف الرابع، وطلبة يخرجون والأيدي تمسك «...»...وهناك زميل (رحلايه) إسمه (حمودة) خرج والدموع تنهمر من عينيه والغريب والمحرج في نفس الوقت أنه لم يكن يرتدي حزاما..وإنما كان يربط البنطال بحبل غسيل،...يا ترى هل البكاء مرده إلى ألم المشهد أم أن فقره افتضح ؟
ألقيت نظرة إلى داخل الغرفة من بين شقوق الباب ورأيت مشهدا مؤثرا كان الطالب يقف ويقولون له :- (لف واشلح)...في البداية كان يصمت، بعد ذلك يتمنع ثم يبدأ بالبكاء...في هذه اللحظة يتدخل الحارس فورا ويتم بطحه على (الكنباية) ويتلقي الإبرة...ومباشرة يبدأ بالجعير والعويل....
كل شيء مقبول إلا مشهد البنطال فقد تبين أن اختراعا إسمه (الحزام) لم يصل بعد لطلبة الرابع (ب) وأن بعضهم استعاض عنه (بسلك) واخر بحبل غسيل....لكن أكثر الطلبة غرابة كان ( حسونة) فقد تبين لحظة خروجه أنه يرتدي أكثر من بنطال..وحزنت على حاله كيف سيقوم بإعادة الوضع إلى ما كان عليه.
جاء دوي ودخلت...كان الممرض الذي يعطي الإبر بشوارب وشكله يوحي بالغدر ولون عيونه مليء بالإنتقام، وأنا حاولت أن أضلله فرفعت ع كتفي وتقدمت كنت أظن في لحظة أنه ربما سينسى ويعطيني الإبرة في الكتف...لكنه نظر إلى الحارس فورا،
وأنا جثمت مباشرة على الأرض وبدأت أبكي واقول للحارس :- ( والله لأحكي لأبوي..والله لأحكي لأبوي)...ولكن تهديدي لم يقم وزنا أو تأثيرا فحملني فورا ورماني على (الكنباية)....لم أستسلم قاومت بعنف...وأتذكر أن الإبرة ونتيجة للمقاومة الشرسة التي أبديتها أعطيت لي في اسفل الظهر...وأتذكر أني حينما خرجت ونتيجة لحجم الجعير الهائل تلقيت (شلوت).
حين عدت للصف وأنتهت حفلة (التطعيم) كان جميع الطلبة في حالة وقوف يبدو أن نوع الإبرة لم يكن مخصصا للاطفال والممرض قلبه قاس جدا...ونحن في تلك اللحظة لم نكن نهتم للألم بل كنا...في حالة خجل وفوضى كيف تم السماح لهذا الرجل بالإطلاع على عوراتنا...؟
هربنا جميعا يومها من الصف, كحالة من الإحتجاج على ما حدث وتعبيرا عن سلوك مارسته المدرسة متعلق بخدش الحياء العام..وكشف العورة بحضور الحارس ومجموعة من الغرباء قيل عنهم أنهم من وزارة الصحة.
وأتذكر أني وجدت أبي في (الدار) وبدأت اشكو له الألم وقلة حيلتي وهو كان يضحك...وكشف على مكان الإبرة...وأخبر أمي بأن من أعطاني الإبرة (حمار) لأن هناك انتفاخا هائلا...ثم جلست أمي معه وبدأوا بمعاينة المكان ودار حوار بينهم..وأنا كنت في لحظة انكشاف كامل ولحظة ألم وجعير غير متناسق..وأتذكر اني كنت أقول لأبي وقتها :- (طخو يابه طخ الحارس يابه)،هو كان يجاملني ويضحك قائلا :- (
ابشر يا بوي والله لاطخوا...
كلما شفني وجد الجنوب عادت بي الذكريات للحرف الأول للمدرسة لوجه أبي وصلاة أمي..وسرقت من تلك الذكريات ما يصلح مقالا ينثر على حواف الجريدة..وتفاصيل القلب، ولكن ما يعنيني في المشهد..أني كبرت والشيب سرق مني بعضا من الشباب....غير إن الإبرة لم تتغير..تغيرت اليد فقد ففي الطفولة كنا نتلقاها من الممرض بمساعدة حارس المدرسة والان نتلقاها من وطن ودولة...دون مساعدة أحد بل بطيب خاطر ورضى.
يكفي فقد (تورم) القلب...يكفي.
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو