السبت 2024-12-14 05:30 ص
 

‘الحياة بالنيابة’ جديد علي محمود خضير: الشاعر نائباً عن الجميع!

04:24 م

الوكيل -
سيمر الأمرُ رغمَ كل شيء،
سنمر جميعاً ولن يحدث فرقٌ في العالم،اضافة اعلان

لذلك، نعتادُ مراسمنا وإن كانت باهتة،
لذلك نمشي دون أن نفكر بالوصول،
لذلك نقفزُ في الهاوية رغم أننا مِنْ دون أجنحة، لذلك
أيضاً
نخسر بضراوةٍ ونبتسم.
نفهم كلّ ذلك
فمن فرّط بالمعرفة انتهبهُ الجنون
نعرفُ
وتعرفُ
بأننا سنمر جميعاً
دونَ أن يُحرك العالمُ حاجبيه.

وفق بناء مدروس ومناخات خاصة ولافتة يطرح الشاعر العراقي علي محمود خضير مجموعته الشعرية الجديدة ‘الحياة بالنيابة’ الصادرة مؤخراً في بيروت عن الدار العربية للعوم ناشرون.
سينشد القارئ الى ضبط ذائقته على اشتراطات شعرية وعوالم تخص خضير الذي حاول معالجة الحياة التي تتكون من مادة الزمن ومعيوشات اليومي عبر اشتغالات لغوية خاصة، مقتصدة الى حد بعيد، صافية، لا تتوخى حذرها بين المقاطع فقط بل بين سطر شعري وآخر منتقلة بحيوية أعطت للقصائد العشر افق توهج بائن.
علي يعيش حياته بالنيابة عن آخرين، أو يموت ويعشق ‘شعرياً’ بالنيابة احيانا، مرة تجده نائباً عن قتلى صراع ‘ملثم’ ومرة بديلاً عمّن ماتوا ‘بالغاز السام’ في إشارة الى مأساة الكرد في بلده، قصيدة (لا فكرة عن الوهم)، وتذهب ثيمة ‘النيابة’ ليحدق الشاعر في حيوات الجمادات والاشياء الصغيرة التي تحيط عالمه، من شجر وحجر وأقراص مدمجة وعلب أدوية وحيوانات، إنه شاعر مثقل بالوجود من دون أن ينسى ممارسة لعبته بشحذ طاقة الاسئلة عن ما وراء الوجود وغيب الحياة وأسرارها الخبيئة.
‘ترسم بئراً
تمتد لبطن الأرض، لترمي فيها
قلائد خروجك المتكرر من الموت
ترمي قلادة الحرب
قلادة الغاز السّام
والرصاص الملثم’
التفكير العميق بالأشياء التي تتلاشى وتزول تدريجياً وانفتاح الذات على معنى كونياً يحررها من شروط الزمان والمكان وإستثمار الواقعي ومزجه بالخيالي ومحاولة تجريد الحكاية الشخصية لتصبح حكاية عامة تخص كل قارئ وإستقصاء قيم كالوهم والتجربة الشخصية والعزلة والنظرة الكُليّة الرثائية للظواهر، محاولات متواصلة سيجدها المتلقي وهو ينتقل بين نصوص الكتاب عبر بنية وشكل متماسك وحيوي الى حد بعيد.
في قصيدة لافتة عن الأمّ ‘تفاحة خضراء’ يحاول الشاعر تجريب حوار افتراضي مع آخر تكون الأم فيه بؤرة الحكي، دون الانزلاق لاستدار عاطفة مبتذلة كما يحصل عادة في قصائد من هكذا مواضيع، إشراقات مذهلة تلمع في القصيدة حملتها إلى فضاءات شديدة الخصوصية:
‘أنتَ أيضاً في داخلكَ أمٌ كالتي تخفقُ في داخلي، في قلب كلّ منا أمّ كاملة يا صاحبي، أمّ نفرطُ فيها لنكون بيادق حروب، فابحث عن أمّكَ فيكَ،
في ظلام روحك الخاسرة’
نحن أمام شاعر ذي وعي وحنكة، يبدو هذا واضحاً في محاولته الناجحة في تكريس ‘كتاب شعري’، فالحياة بالنيابة نصوص تقرأ بشكل منفرد وجماعي بنفس الوقت، هناك بناء أبعد من بناء نص الى بناء كتاب، هندسة مدروسة، خيط رفيع يكاد يمر بجميع النصوص ولا يمر.
هذا الوعي باللغة والبنـــاء قادمة من تأمل وموهبة لا مراء فيهما في العمل الشعري، وعي يتناسب مع ابتعاد الشاعر عن وهج الاعلام كما يبدو، فالمتابع لا يجد له حــوارات صحافية أو حضوراً في صحف العراق الجديد الكثيرة، وسوى مراجعات ودراسات عن مجموعته السابقة ‘الحالم يستيقظ’ يكاد لا يجد الباحث نصاً شعرياً جديداً للشاعر، إنها عزلة الشعر الخالصة إزاء عالم متهالك غريب سريع وعشوائي.
‘الحياة بالنيابة’ عمل يشكل إضافة لافتة للشعر العراقي الجديد، إنها مجموعة تستحق الانتباه والقراءة المتأملة.


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة