السبت 2024-12-14 03:09 ص
 

السبب في أنني أقفز: حديث الى المتوحد!

12:11 م

الوكيل - ديفيد ميتشل صاحب رواية ‘سحاب أطلس′ الأكثر مبيعاً في بريطانيا والتي رشحت لجائزة ‘مان بوكر’ العالمية وتحولت عام 2012 إلى فيلم سينمائي يترجم كتاباً نادراً بعنوان (السبب في أنني أقفز) للكاتب الياباني المراهق المتوحد نوكي هيكاشيدا.اضافة اعلان

عندما اكتشف الكاتب ديفيد ميتشل وزوجته هذا الكتاب النادر اعتبراه بمثابة هدية من الله، وشعرا أن ابنهما الوحيد والمتوحد أيضاً كان وللمرة الأولى يتحدث إليهما عما كان يدور في ذهنه .
‘ عندما كنت صغيراً، لم أكن حتى أعلم أني كنت طفلاً من ذوي الاحتياجات الخاصة. فكيف اكتشفت ذلك؟ قال لي أشخاص آخرون أنني كنت مختلفاً عن أي شخص آخر، وان ذلك كان مشكلة. كلام صادق إلى حد كبير. كان من الصعب علي أن أتصرف كشخص عادي، وحتى الآن مازلت لا أستطيع أن أجري محادثة حقيقية . ليس لدي مشكلة في قراءة الكتب والغناء بصوت عال، لكن ما أن أحاول أن أتحدث مع شخص ما حتى تختفي الكلمات . صحيح أنني في بعض الأحيان أتمكن من قول بعض الكلمات- لكن حتى هذه من الممكن أن تخرج على عكس ما أردت قوله تماماً !….’
بتلك الكلمات البسيطة والواضحة والمحددة والمعبرة يدعونا نوكي هيكاشيدا ابن الثالثة عشر ربيعاً في مقدمة كتابه (السبب في أنني أقفز) الذي صاغه على هيئة سؤال وجواب للدخول إلى عالمه ومشاركته أدق تفاصيل حياته اليومية. لماذا لا تنظر إلى العيون عندما تتحدث؟ ما السبب في أنك تقفز؟ لماذا تكتب رسائل في الهواء؟ لماذا تحب الدوران؟ لماذا ترفرف بأصابعك أمام وجهك؟ لماذا لا تستطيع أبداً البقاء ساكناً؟ لماذا تهرب دوماً إلى مكان ما؟ ….الخ . أسئلة يصل عددها إلى ثمانية وخمسين سؤالاً تدور كل يوم في ذهن أغلب المحيطين بطفل متوحد خاصة الأب والأم . هذا بالإضافة إلى بعض قصص الأطفال التي تأثر بها مثل قصة الحذاء الأحمر وقصص قصيرة أخرى من تأليفه .
يركز نوكي هيكاشيدا في كتابه بالدرجة الأولى على فكرة التواصل مع الآخر لشدة ما عانى ومازال من صعوبة في إجراء محادثة . فما أن يبدأ بالكلام حتى تبدأ كلمات كثيرة بلا معنى ولا علاقة لها بالموضوع تتجمع في فمه وتتدفق منه دون تنظيم مما يدفعه إلى الصمت كي لا يساء فهمه أو تفسر كلماته بشكل خاطئ . وكثيراً ما كان يجد نفسه يعاني من الوحدة التي تصل إلى حد اليأس ويتوق إلى الصحبة .
بذل نوكي جهداً مضنياً كي ينجز هذا الكتاب. وعلى الرغم من أن الفضل يعود إليه بالدرجة الأولى إلا أنه لا يمكن إغفال دور مدرسته التي علمته كيف يلفظ ووالدته التي ساندته وابتكرت له لوحاً مكتوباً عليه أحرف الهيراغانا اليابانية بحيث يشير إليها بإصبعه حرفاً وراء حرف ليكون جملاً ومن ثم كتاباً. ويعتبر نوكي أنه عندما يكتب لا يعبر عن نفسه فقط وإنما عن هؤلاء المتوحدين أيضاً الذين لا يمتلكون وسيلة ولم يجدوا الدعم الكافي الذي توفر له كي يعبروا عن أنفسهم .
يقول ديفيد ميتشل إن العلاقة بين أفراد الأسرة الواحدة لا تتم إلا عبر التواصل. وإذا انعدم التواصل بين أفراد الأسرة العادية التي لا يعاني أحد أفرادها من أي حالة توحد فسوف ينتج عن ذلك سلبيات كثيرة في العلاقة، فما بالك إذا كنت أباً لطفل متوحد في الثالثة من عمره ولا توجد طريقة تستطيع بها معرفة ما يدور في ذهنه .
ويعتبر ديفيد ميتشل هذا الكتاب هدية من السماء بعد أن قضى هو وزوجته ك.أ.يوشيدا وقتاً طويلاً في قراءة النظريات والأفكار المتناقضة حول التوحد بالإضافة إلى الكثير من الكتب التي لم تجد نفعاً. وما أن وقع هذا الكتاب بين أيديهم حتى أصبح لكل شيء معنى . فالكتاب جعلهما بشكل عملي ومباشر قادرين على معرفة ما الذي يدور في ذهن ابنهما وبالتالي على التواصل معه .
‘ ما هو السبب في أنك تقفز؟
…عندما أقفز أحس وكأن مشاعري تصعد إلى السماء . حقيقة، إن رغبتي في أن أتماهى مع السماء تكفي لأن تجعل قلبي يخفق. عندما أقفز، أشعر جيداً بكل أجزاء جسمي ساقي المثنيتين ويدي المصفقتين – وهذا يعطيني شعوراً طيباً …طيباً . هذا أحد أسباب قفزي، ومؤخراً لا حظت سبباً آخر. يعبر المتوحدون جسدياً عن مشاعر السعادة والحزن، فعندما يحدث شيء يؤثر عليّ عاطفياً يتصلب جسدي وكأنه صعق بالبرق .’
يتصلب ‘لا يعني حرفياً أن عضلاتي تتيبس ولا تتحرك بل يعني أنني لست حراً كي أتحرك بالطريقة التي أريدها. لذلك عندما أقفز للأعلى وللأسفل أشعر وكأنني أفك الحبال التي توثق جسدي …’
كما يشرح نوكي كيف يشعر وهو في حالة السكون أن روحه تنفصل عن جسده، وسروره البسيط عندما يدور، وراحته وهو في الماء، ومتعته وهو ينظر للنور المتسرب من بين أصابعه، وتماهيه مع الطبيعة…..ألخ.
يقول ديفيد ميتشل إن هذا الكتاب يقدم المعرفة وبالتالي الأمل. كما يدحض كل الأفكار السائدة عن التوحد، خصوصاً تلك التي تقول إن المتوحدين غير قادرين على التعاطف، فعلى العكس تماماً الكتاب مكتوب بتعاطف شديد مع الآخر ورحمة وبصيرة ثاقبة وكرامة وقدرة كبيرة على التحليل بالإضافة إلى خفة الظل، فلا يوجد رثاء للذات أو شعور بالاستياء .
يعتبر ديفيد ميتشل أن هذا الكتاب بمثابة برهان على أن هذه التحديات لا يمكن أن تصدر إلا عن قلوب وعقول بشر لديها نفس التعقيدات والحساسيات الموجودة في أعماق اي واحد منا، ولذلك علينا ألا ننظر إلى الأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة كمستنزفين للموارد أو تعساء جداً، بل علينا أن ننظر إليهم كأشخاص يستوعبون ويتخيلون ويطمحون ويفكرون وكأبطال أيضاً.
قام كل من ديفيد وزوجته ك.أ. يوشيدا بترجمة هذا الكتاب من اللغة اليابانية إلى الانكليزية على الرغم من أنهما يعتبران أن هذا الكتاب مترجماً في الأساس من لغة التوحد إلى اللغة اليابانية فعلى حد قول نوكي ليس للمتوحدين لغة أم. وحرص كل منهما على اسلوب نوكي الواضح والبسيط والشاعري في بعض الأحيان . كما حرصا على إظهار قدرته الكبيرة في التحليل الذاتي وتجاوز سنوات عمره الثلاث عشرة دون المساس بإسلوبه الطفولي في السرد. وكون اللغة اليابانية هي اللغة الأم لزوجة ديفيد لذلك وقع على عاتقها الجزء الأكبر من الترجمة لقدرتها على التعبير أكثر عن مشاعر طفل ياباني على حد قول ديفيد.
ولد نوكي هيكاشيدا عام 1992 وشخص بالتوحد عام 1998 . التحق بعد ذلك بصفوف للطلبة من ذوي الاحتياجات الخاصة وتخرج عام 2011. وقد نشر عدة كتب وروايات وحصل على جوائز عن كتاباته. فهو يكتب في مدونته ويقوم بالإدلاء بأحاديث عن التوحد. ويعيش في كيميتسو في اليابان .
‘ آمل أنه عند قراءة شروحي عن التوحد وأوجه الغموض فيه ،أن تفهموا أن كل العقبات التي تواجهكم لا تصدر عن أنانيتنا أو إحساسنا بالذات. إذا استوعب كل منكم هذه الحقيقة عنا، فسيكون لدينا شعاع من الأمل. فمهما كانت حياة التوحد شاقة ومهما كانت محزنة، فمادام هناك أمل فسنتمسك به ‘يأمل ديفيد ميتشل من كل شخص لديه ابن أو قريب أو صديق متوحد ويشعر بالإرهاق أن يقرأ الكتاب ويفهم ويبقى صبوراً ومركزاً وألا يتوقف عن المساعدة أبداً.


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة