الجمعة 2024-12-13 01:12 ص
 

‘الوحدة تدلل ضحايها’ أو الوحدة التي كان الخيط فزعها ..

12:29 م

الوكيل - يستحضر دارا عبد الله في كتابه ‘الوحدة تدلل ضحاياها’ الصادر حديثاً عن ‘دار مسعى’ البحرينية، تفاصيل السرديات اليومية العابرة إلى الحواس الخمس. اضافة اعلان

إذ أنه وفي تجربته الأولى في عالم النشر الورقي، يُصوِّر في نصوصه التي تُحاول المُزاوجة بين النص الطويل، والنص القصير، الكثير من المشاهد، والمتاهات اليومية، مشاهدٌ مكثفة في لعبها على اللغة، مكثفة في حضورها، وتصويرها لليومي الحي المُعاش في أدق أوجاعه التي تتسرب إلى مفاصل الرأس الواحد. أيضاً هي مشاهد تستند إلى إفرازات مخيلتنا، وألم اليومي المصاحب للقصص المروية، والمُشاهدة، تلك القصص التي بدأت تخلق لحظةً عصيةً على فهم الحدث الملازم لصور الدماء التي تعتصر الجسد الإنساني. أو، ولربما، تخلقُ لحظةً مليئة بالتساؤلات التي تبحث في إيضاح المأزق الإنساني الذي بدأ بالتسرب إلى تفاصيل خيالنا التاريخي.
في ‘الوحدة تدلل ضحاياها’ يجد المتلقي نفسه أمام مشاهدٍ مكثفة من الوقائع الحيّة، تلك الوقائع التي يحاول دارا ‘الطبيب’ أن يُشرِّحها، ويعيدُ ترتيب جسدها بالاتكاء على اللغة، والنفس البشرية ‘سألتُ جنديَّاً قدمَ للتوّ من الحرب: هل دهستَ بالدبابة على جُثَّتين مختلفتين، أم دهستَ على الجثَّة نفسها مرَّتين؟!.’. هكذا، يتطرق في نصوصه إلى التفاصيل الأكثر إشكالية في طرقاتنا المرصوفة بالهياكل التاريخية، محاولاً قراءة الراهن الغرائزي من مرآة لغته الخاصة ‘ السُّنَّة’، ‘العلويَّة’… مصطلحاتٌ تلاحقك منذ الولادة كاللعنة، عنفٌ لفظيٌّ دامغٌ فيها بخارٌ ماضويّ مُصفر، فيها رعبٌ، الرعب من الذبح’.
يرتهن دارا في الصورة الحيّة إلى ارتهانات الوقائع التي بدأت تتعمق في جذور شاشاتنا، متسائلاً بصوتِ مرتفع ‘لماذا يتوَّجب على أداةِ القتل أن تكون جميلة؟’ محاولاً ترك فضاء الإجابة للمتلقي، محتفظاً، هو، في الإجابة إلى يوم من أيامِ الوحدة الغير مُدللة. إذ أنه لا يمكن تجاهل تفاصيل اللغة المستندة في النص إلى الراهن المبني على هواجسنا التي بدأت بإفراز المزيد من الخوف، أو الدهشة، والتعجب مما بدأ يخرج من معقل الحضارة، أو الفسيفساء الذي كُنا نتفاخر به على الآخر.
في توصيف رحلة السفر، يظهر على صاحب ‘المَسخ’ محاولة الربط بين أرضه الأولى، وأرض المنفى الاختياري، دون أن يُشير في لغته إلى ما يريد البوح به ‘هنا في ألمانيا كلُّ شيءٍ يُعاد تصنيعه، الملعقة التي تأكلُ بها ربَّما كانت سلاحاً في يد مقاتل في سوريا، أو حلقاً في أذن مراهق، أو حافراً لحصانٍ في الدنمارك. بعدَ موتك أنتَ في أيَّةِ صورةٍ سيؤولُ تحوُّلك؟.’ تاركاً فضاء المعرفة إلى مرحلة اكتشاف العبث الإنساني.
ينتقل دارا في متون نصه من تفصيلٍ إلى تفصيلٍ أكثر حساسية، من تلك المجابهات اليومية التي تعرضنا لها في أيام سباتنا، موصفاً الاستبداد في أكثر من نصٍ، محاولاً أن يجعل من النص مرحلة وصل بين الماضي والحاضر ‘حالة وحيدةٌ تتمنَّى فيها الخليقة أن تصبح فريسة، الأسماكُ التي تعيش في ‘بحيرة الأسد’؟’.
تراتُبية النصوص تجعلنا نصل في النهاية إلى ثلاثة نصوص طويلة، كتبها دارا بُعيدَ خروجه من السجن، موصفاً الرحلة الأكثر ألماً في التاريخ الإنساني، تلك الرحلة التي تبدأ منذ بداية قراءتك المُغايرة لخريطة المجتمع، مُصوراً الوحشية الممُارسة من قبل السلطة في مواجهة الإنسان الطامح إلى يومٍ أكثر عدلاً ‘ثلاثون يوماً بسبب ‘لايك’ لقناة الجزيرة.’ هي ثلاثة وعشرين يوماً وبعض الكتابات التي خطها معتقلون مجهولون على جدران المنفردة، هي كتابات بسيطة لكنها صادمة، صادمة لدرجة أنها كانت كفيلة بأن تترك ذاكَ الأثر المؤلم الذي فجأة وجد نفسه محولاً إلى نصٍ في متون كتاب.
في حوارٍ سابق، يقول دارا عبد الله ‘لا أمتلكُ غير التشاؤم وتوقّع الأسوأ.’. بينما يختم أحد نصوص الكتاب بقوله ‘نحن بحاجةٍ إلى قليلٍ من الشفقة’. بين الجملة الأولى، والجملة الثانية، ثمةً هاجسٌ واحدٌ، هاجسٌ إشكالي مشغولٌ عليه عبر خرائط اللغة التي لم تجد من سندٍ لها في هذه اللحظة سوى الوحدة، الوحدة التي كان الخيط سبب فزعها.


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة