الأحد 2024-12-15 08:13 ص
 

اليمين المُطارد واليسار المَذعور .. البرازيل أنموذجاً! (1-2)

08:52 ص




في اميركا اللاتينية.. نضجت تجربة اليسار وانتجت جمهورا عريضا تبنَى خطاب معظم احزاب وحركات اليسار بأجنحته وقراءاته المختلفة لما يحدث في العالم، وبخاصة بعد انتهاء الحرب الباردة وتفكّك الاتحاد السوفياتي وهيمنة الجارة الشمالية التي تربعت بغطرسة واستعلاء وعدوانية على قمة النظام العالمي الجديد,الذي لم يتبلور حتى الان, رغم مرور ربع قرن على التحولات العالمية الدراماتيكية والعاصفة التي حدثت، ظنّاً منها ان حركة التاريخ انتهت وان «هزيمة» الاشتراكية بنسختها السوفياتية, قد منحتها الفرصة الأثمن وربما الأخيرة التي تؤكد هيمنتها وفوز الامبريالية بما هي اعلى مراحل الرأسمالية، بميدانية التاريخ.. اضافة اعلان


«الماسية», التي ستطيح بكل محاولات تجديد الاشتراكية او التوفر على قراءات وخطاب مغاير لما استقرت عليه التجربة السوفياتية, التي لا يستطيع احد انكار الجمود الطويل الذي اصابها, والتكلس الذي اعترى بنيتها الفكرية وخصوصاً التطبيق المشوه على الارض فضلا عن الفساد والاهتراء الذي اصاب الصفوف القيادية وتلك المولجة السهر على حيوية الايديولوجية وعدم السماح بتسلل العناصر اليمينية او تلك المُعجَبة بلا حدود, بفكرة «السوبرماركت» كما صرّح علناً ذات يوم بوريس يلتسين، الذي لم يكن فقط عضوا في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي, بل غدا الأمين العام للحزب الشيوعي «الروسي», في الفترة التي كان فيها سيء السمعة والصيت نبيّ البريسترويكا المُزيف ميخائيل غورباتشوف, في سدة الحكم ويُطبِق بلا «هوادة» هرطقته على المشهد السوفياتي وعبره على المشهد العالمي الذي اختل لصالح الرأسمالية في اكثر مراحلها توحشاً.


ما علينا..


ليس هذا موضوعنا، بقدر ما أُريد لما سبق, ان يُضيء على ما حدث ويحدث في اميركا اللاتينية منذ ثلاثة عقود تقريباً، وبخاصة بعد التجربة التشيلية التأسيسية التي انتهت في شكل مأساوي بالانقلاب الدموي الذي خططت له ورعته المخابرات المركزية الأميركية (سي آي إيه) في 11 أيلول 1973، عندما قاد الجنرال الفاشي بينوشيت الانقلاب الدموي ضد الرئيس المنتخب سلفادور الليندي، وكان قد سبق هذا الانقلاب الاميركي البصمات والملامح, «انتصار» مُدوٍّ آخر حققته C.I.A بست سنوات بالضبط, عندما اعدمت بدم بارد القائد الشجاع والأسطوري تشي غيفارا، في احواش بوليفيا 9/10/1967. وظنت ان اليسار اللاتيني بنسخته الغيفارية «المُطوّرة» عن نجاح وصمود التجربة الكوبية، قد انتكس وربما هُزِمَ, ما يعني – في نظر الاميركان بالطبع – ان الحديقة الخلفية لواشنطن او ما أُصطُلِح على وصفها بجمهوريات الموز، ستبقى على حالها مستكينة ومخذولة وغير قادرة على افراز اجنحة ومعسكرات ثورية بدعم شعبي ,تستلهم الامثولة التي كرّسها فيدل كاسترو وتشي غيفارا في حياته وخصوصا اعدامه، لكن الرهان الاميركي سقط وبخاصة في النضج الذي اظهره اليسار اللاتيني – بأجنحته المختلفة – عندما بدأ يدرك عقم او الاصح, عدم واقعية استمرار الكفاح المسلح ضد الانظمة العميلة للإمبريالية الاميركية، بعد ان تغوّلت الاخيرة في تسعينيات القرن الماضي وراحت تدعم بلا تحفظ الانظمة التابعة لها واظهرت تلك الانظمة قبحا غير مسبوق واستبداداً وفساداً عميماً, فضلاً عن استخدامها المُفرِط للقوة ضد شعوبها, وعدم ابداء اي فعل ندامة ازاء الارواح التي أزهقتها او الدماء التي اسالتها او النهب الذي مارسته علناً بثروات البلاد.


خضع اليسار اللاتيني الى قواعد اللعبة الديمقراطية – ولو مضطراً او مُتشكِّكاً – وابدى نضجاً غير مسبوق في مخاطبة الجماهير والالتصاق بها، وان جُوبه بيسار طفولي ومراهق وخصوصاً متطرف, لا يرى في غير فوهة البندقية وسيلة للوصول الى السلطة، مُعيباً على الآخرين (في اليسار بالطبع) تراخيهم ويمينيتهم وكفرهم بالجماهير والحتمية التاريخية وغيرها من المصطلحات التي يبرع المتطرفون نحو اليسار، نحتها وتعميمها والرقص على ايقاعها.


لم تُخيب جماهير اليسار اللاتينية الاحزاب التي راهنت عليها فأوصلتها الى السلطة بأغلبية مريحة غالبا, ما مكّنها من وضع برامجها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. موضع التنفيذ على نحو زاد من حماسة الجمهور وانحيازه للسلطة الجديدة, التي»اسكرتها» في ما يبدو الانتصارات «الافقية» في مجمل دول اميركا اللاتينية, من فنزويلا والبرازيل شمالاً حتى تشيلي ونيكاراغوا والارجنتين وبوليفيا وغيرها, التي اجتاحتها رياح اليسار، على نحو لم يكن امام واشنطن البوشيّة وقبلها الكلينتيونية وبعدها الاوبامية,سوى الاعتراف بالهزيمة (وان على مَضض وتربّص) والإقرار بأن العملية الانتخابية, لم تشبها شائبة وان معاييرها كانت نزيهة وديمقراطية.


هنا، وقع اليسار في شر اتكاليته ولامبالاته, وبخاصة في ظل ارتفاع اسعار النفط وتوفر السيولة النقدية و»الكرم» غير المسبوق, الذي ابدته الدوائر الرأسمالية «العريقة» وعلى رأسها البنك والصندوق الدوليين, وخصوصاً الشبكات المالية والمصرفية المستعدة لإقراض الانظمة اليسارية «المُنتخَبة», بما تريده من أموال وقروض مُيسّرة، ظن الحكام»اليساريون» الجدد, المنتشون بالانتصارات التي حققوها, انها كفيلة برفع شعبيتهم وديمومة بقائهم في السلطة بتفويض شعبي»مضمون» عبر صناديق الاقتراع.
... (للحديث صلة).


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة