السبت 2024-12-14 03:53 ص
 

بـيــن نـهــج الإعـمــار ونـهــج الدمـــار

08:05 ص




بين نهج الإعمار ونهج الدمار هو عنوان المؤتمر الذي نظّمه المنتدى العالمي للوسطية –وأبدع في اختيار عنوانه والتحضير له- والذي حضره ثلة من العلماء والمفكرين الأجلاء من مختلف الدول العربية والإسلامية وتشرفت بالمشاركة به، وذلك لغايات بلورة توصيات واقعية لنقله نوعية وثورة بيضاء للنهوض الفكري المبني على الوسطية والإعتدال نبذاً للغلو والتطرف والإرهاب الذي بات العدو الأول للبشرية جمعاء، ويأتي هذا النهج الإعماري والوسطي والمعتدل وفق رؤى الدولة الأردنية وخريطة الطريق الإصلاحية التي يتبناها جلالة الملك حفظه الله ورعاه.اضافة اعلان


واقع الأمة مؤلم ومحزن مع الأسف ولا يخفى على أحد، إذ إن الأمة في وضع لا تحسد عليه وحقيقة الدمار الذي تعاني منه في معظم الدول جل كبير، وباتت الأمة مشرذمة الحال بين المذهبية والطائفية والحزبية والجماعات والدولة القطرية وغيرها، وباتت الأمة تعاني مثل غيرها ويلات صراعات فكرية عنيفة جلّها متطرف، وبات التفككك والتشرذم عناوين رئيسة لواقع حالها، وما كان ذلك ليكون إلّا بسبب البعد عن القيم والثوابت الراسخة لديننا الإسلامي الحنيف، وبسبب عزف الأوتار من قبل البعض والتي تسيء من قريب أو بعيد لتعاليم الدين الحنيف والمبني على الوسطية والإعتدال، والأسباب في ذلك معروفة للجميع وتتلخص في غياب المرجعيات والقدوات الحسنة والنماذج المثلى لا بل تنامي درجة تأثير الفكر المتطرف والغلو عند شرذمة أساءت للدين وتطاولت عليه وشوّهت صورته في العالم أجمع، وكذلك غياب التشبيك والدور المؤسسي الفاعل للجماعات الإسلامية غير المتطرفة والمعتدلة، وبات واجب على الجميع التوجّه بصدقية للدفاع عن الدين الحنيف من خلال إبراز الثوابت الرئيسة له ومواثيق العهد صوب الوسطية والاعتدال ونبذ التطرف بكافة أشكالة.

الأمة الآن بين قبول نهج الدمار وما يجري على الأرض في دول الجوار الشرقية والشمالية والغربية وحتى الأوروبية وغيرها والتي تسيء للدين والحضارة والناس وتهلك البشر والشجر والحجر والموروث الحضاري، أو فعل شيء على الأرض للتصدي لهؤلاء الشرذمة المسئية للدين والناس والأمة للتركيز على البناء والنماء، وأخال بأن الجميع سينحاز لمشاريع الإعمار لا الدمار للفطرة والبنية الإنسانية المعتدلة والمتسامحة التي يعيشها معظم الناس من مختلف الأديان.

جلّ أوراق المؤتمر للمفكرين والعلماء كافة تناولت الثوابت والأصول للمفاهيم الراسخة للدين والتي تنادي بنبذ التطرف كمدمّر للأمة ومشروعها الحضاري وترسيخ مفهوم الوسطية والإعتدال كقيمة يمكن البناء عليها في سبيل إعمار ما تم هدمة وتشويهه من قيم معنوية، وبالطبع دور الأسرة النووية والممتدّة والمنابر الدينية والإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي والمراكز الثقافية والمنابر التعليمية جلّ مهم في سبيل ترسيخ ثقافة الحوار وقبول الآخر وإحترام الأديان والمعتقد من جهة ونبذ التطرف والغلو التعصّب من جهة أخرى.

نقرّ جميعاً بأن هنالك تراجع في منظومة القيم والأخلاقيات ودمار في المنظومة الفكرية وخصوصاً لدى الشباب، ومردّ ذلك كله لعدم تمكين وتحصين شبابنا رجال الغد، وتأثير مواقع التواصل الاجتماعي عليهم وانبراء البعض لاستغلالها لتشويه الصورة الناصعة البياض للدين، ولذلك مطلوب تحرك فاعل وسريع وتشاركي مرتبط بمواثيق أممية لغايات نبذ الغلو والتطرف، وإحلال فكر الوسطية والاعتدال كخطاب جامع لمقاصد الدين والأخلاق والقيم للإنسان، وبالطبع هي خطاب جامع لتعزيز قيم البناء والإعمار.

ودور الأسرة والمنابر الفكرية والثقافية والتعليمية والدينية والشبابية كبير في تبني منظومة فكرية لمواجهة التطرف والغلو، وما يكون ذلك إلا من خلال تبني منظومة ونهج الحوار والتعددية والفكر الوسطي كطريق قويم لمواجهة التطرف والعنف والغلو والإرهاب، ولذلك فإننا نحتاج لصحوة فكرية ومشروع نهضوي للنهوض بالأمة من سباتها وتراجعها وهزلها لغايات ولوج الألفية والتقدم للأمام، ونحتاج لتأصيل أدوار المؤسسات والهيئات لتعزيز نهج الإعمار والبناء ونبذ الغلو والتطرف، ونحتاج لمزيد من الواقعية والبرامج والسياسات والإستراتيجيات لتعزيز لغة البناء ودحر نهج الدمار.

توصيات المؤتمر لم تخرج عن هذا السياق، فجاءت لتؤكّد أممية الطرح للمقاصد الدينية والفكرية والتي تشمل حفظ الدين والعقل والنفس والمال والنسل، والتزام الجميع بالعدل والإنسانية وعدم الظلم أو الاستغلال، وضرورة إيجاد ميثاق إنساني عالمي وأممي يحمي الكل من التطرف والغلو، وضرورة تسخير العلوم ومنظومة المعرفة لخدمة الإنسان لا لقتله أو تهجيره أو نكبه، وضرورة وجود هيئات عالمية لمساندة المنكوبين، وضرورة تغليب لغة العقل والتسامح والرحمة على كل اللغات السلبية، والوقف الفوري لإنتاج وتصنيع وتطوير كل أنواع أسلحة الدمار الشامل، وضرورة التأكيد على أن التطرف سلوك ونهج وفكر وليس مرتبط بالدين لوحده بل ربما تجده لدى الإعلاميين والسياسيين والرياضيين وكل الفئات، وضرورة أن يقدّم علماء الأمة النموذج الذي يحتذى بالقدوة الحسنة، وضرورة وجود إستراتيجية عالمية تشاركية لمكافحة الغلو والتطرّف، وغيرها.

بصراحة، دعوات الاعتدال والوسطية والتسامح في ظل عالم التطرف والعنف والغلو غير كافية وحدها لغايات إطلاق ثورة بيضاء فكرية ضد الرجعية والتخلّف، لكننا نحتاج لمشروع نهضوي وفكري متكامل وتشاركي وأممي وعالمي لمكافحة الغلو والتطرف وتوضيح صورة الإسلام الحقيقية والتي شوهها دعاة الفتنة والطائفية والتطرف والإرهاب.


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة