السبت 2024-12-14 01:40 ص
 

تحديات الاستقلال

11:35 ص

منذ عهد الإمارة وعاصمتها معان وحتى إنشاء المملكة وعاصمتها عمان، كانت الأردن كياناً وقيادة وليدة مبادئ الثورة العربية الكبرى والوريث الشرعي لرايتها التي تحددت أهدافها بالحرية والوحدة والعدالة الاجتماعية والمساواة، وشعاراتها بالوحدة العربية والقومية العربية، ومن هنا باشر الأمير عبدالله بن الحسين كفاحه من أجل تأسيس الدولة بعد أن كشف المخطط البريطاني الفرنسي للاستفادة من الثورة العربية الكبرى لتحقيق اطماعها بالاستيلاء على هذه المنطقة وفرض سلطتها الاستعمارية عليها حيث نجحت في تقسيم هذه البلاد بينهما حسب إتفاق سايكس بيكو، وأعقب ذلك تنفيذ وعد بلفور على أرض فلسطين، ولم تكن مقاومة هاتين الدولتين بالأمر السهل فكان ما كان، واستطاعت العصابات الصهيونية برعاية دولهم بريطانيا وفرنسا من اغتصاب فلسطين وفرض سيطرة بريطانيا على الأردن والعراق وسيطرة فرنسا على سوريا ولبنان.اضافة اعلان


وبعد سنوات صعبة من المواجهات والتحديات مع الدولة المنتدبة بريطانيا العظمى، نجح الملك المؤسس في انتزاع استقلال البلاد واعلان قيام المملكة الأردنية الهاشمية دولة عربية مستقلة، وتخليصها من وعد بلفور سيء الصيت والسمعة، وفي الخامس والعشرين من شهر أيار عام 1946 اعلنت الامم المتحدة موافقتها على الاعتراف بالأردن مملكة عربية مستقلة ذات سيادة بعد انتهاء الانتداب البريطاني عليها، كما تم الاعلان عن الملك عبدالله الأول ابن الحسين ملكاً للمملكة الأردنية الهاشمية الذي استمر في الحكم حتى اغتياله رحمه الله أثناء خروجه من المسجد الأقصى بعد الصلاة فيه عام 1951.

خاض الجيش العربي الأردني معركة فلسطين دفاعاً عن الحق الفلسطيني والحق العربي والإسلامي في أرض فلسطين واستطاع رغم إمكاناته المحدودة وقدراته المقيدة بالمعاهدة البريطانية الأردنية أن يحتفظ بالضفة الغربية ومعها القدس الشريف، وأن يكرس مفهوم العلاقة القومية المجيدة التي تربط بين الشعب الأردني والشعب الفلسطيني وتقديم العديد من شهداء الجيش الأردني على أرض فلسطين وأسوار القدس الشريف. ولم يختلف الموقف الأردني في الدفاع عن الأرض العربية والمصالح العربية حيث وقف مع الشقيقة مصر في معارك السويس وفي معارك 1967 و1973 وفي كل الحروب العربية الإسرائيلية التي دافعت عن الكرامة والشرف العربي.

لقد واصل الأردنيون وقيادتهم الهاشمية العمل الدؤوب لاستكمال استقلال البلاد وإزالة العقبات التي واجهتهم بعد معركة الاستقلال، بالغاء المعاهدة البريطانية–الأردنية وتبع ذلك الغاء خدمات الفريق كلوب القائد البريطاني للجيش للحصول على الاستقلال الكامل عن بريطانيا، كما ساهموا في تأييد حركات التحرير العربية في كل الأقطار العربية الواقعة تحت الاستعمار الأجنبي، ولقد طور الأردنيون مفهوم الوحدة الذي ورثوه عن الثورة العربية الكبرى بحيث يتم تطوير العلاقات العربية بصورة تدريجية لتحقيق التكامل من خلال ربط المصالح العربية بعضها ببعض وصولاً إلى مرحلة التعاون والاندماج الاقتصادي كخطوة رئيسية نحو الاتحاد السياسي الفدرالي أو الكونفدرالي كما تقتضي الظروف. وكما كان الأردن سبّاقاً في تأسيس جامعة الدول العربية فقد كان نموذجاً متقدماً في تحقيق الوحدة العربية النموذجية الأولى بين الأقطار العربية وهي وحدة الأردن بضفتيه، كما دخل في وحدة مع العراق الشقيق الاتحاد العربي 1958 وساهم بقوة في قيام مجلس التعاون العربي بين الأردن ومصر والعراق واليمن عام 1989.

لقد شهدت المملكة منذ الاستقلال واعلان المملكة الأردنية الهاشمية واعلان الوحدة بين الضفتين حياة سياسية واقتصادية واجتماعية تضمنت إنجازات كثيرة وكبيرة على طريق بناء المؤسسات الدستورية والمدنية والاقتصادية، وساهمت المملكة بكل المبادرات والجهود من أجل توحيد العرب وجمع كلمتهم وتعزيز تضامنهم.

لقد واجه الأردن الكثير من المصاعب والعقبات في مسيرته الطويلة وتعرض باستمرار لحملات التشكيك وجلد الذات وكأنه لم يقدم لشعبه أو أمته أي شيء وكانت مثل هذه الحملات لا تأتي من الخارج فقط بل تجد من يسمع لها ويسوقها من الداخل، وحتى الداخل العميق والقريب غير أن البلد وبقيادته الشجاعة استطاع أن يتجاوز مثل هذه المؤامرات وأن يكشف الواقفين خلفها ومعها وكان ذلك للأسباب التالية:

1- التزام الأردن بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي بلد عربي أو غير عربي مما زاد في مناعة جبهته الداخلية أمام محاولات التدخل في شؤونه الداخلية من أية جهة كانت.

2- ثبات الأردنيين على مبدأ الولاء والانتماء لوطنهم وقيادتهم من دون تغيير أو تبديل ووقوفهم سداً صلباً أمام محاولات الاختراق أو التدخل في شؤونهم أو النيل من وحدتهم ومنجزاتهم الوطنية.

3- الوقوف خلف قيادتهم في الدفاع عن القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني باعتبارها القضية المركزية الأولى، وهناك مصلحة أردنية ومصلحة فلسطينية في ضرورة حلها حلاً شاملاً وعادلاً بحيث يتم انسحاب إسرائيل من الأراضي الفلسطينية والعربية كافة التي احتلتها عام 1967 وفي مقدمتها القدس الشريف عاصمة الدولة الفلسطينية المستقلة التي ستقوم على حدود الرابع من حزيران 1967 جنباً إلى جنب مع اسرائيل.

4- محاربة الفساد والمفسدين من خلال القضاء وتطبيق القانون وقواعد العدالة، ولأن مسألة الفساد اصبحت ظاهرة عالمية لا يقتصر أثرها على الأردن وحده.

5- في ذكرى الاستقلال، يؤكد الأردنيون بكل أصولهم وفئاتهم عن احترامهم للدستور باعتباره الكتاب الأول في منهاج الديمقراطية الأردنية، والمحافظة على المواد الدستورية المتعلقة بصلاحيات الملك وعدم المساس بها لأن الملك هو حامي الدستور وهو الذي يرأس السلطات الثلاث وهو النموذج العصري الفريد للقائد والزعيم الوطني بلا منازع، وهو الحافظ للتوازن والضامن للحقوق والمساواة.

6- كما يؤكد الأردنيون على ضرورة المضي بعملية الإصلاح الشامل من دون تردد، وتركيز الجهود من أجل تطوير مناهج التعليم وإزالة الأسباب المعوقة لتطويره والنهوض به ومراعاة العصر.

وفي الختام، علينا كأردنيين بهذه المناسبة الكريمة أن نرفع الرؤوس عالياً وأن نفخر بثبات هذا الشعب في وحدته وتضامنه وقوة الدولة الأردنية واستمرارها وحكمة القيادة الشجاعة وقدرتها على تخطي الصعاب ومواجهة التحديات.

نعم، لقد كان الأردن،..ولكنه أصبح اكبر..ولقد كان الملك، ولكنه أصبح في صف قادة العالم الكبار.


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة