يتصاعد الجدل في تونس حول مغزى واهداف رئيس حزب حركة النهضة التونسية «الشيخ» راشد الغنوشي، من ظهوره المفاجئ ولأول مرة بربطة عنق على شاشة التلفزيون للحديث في الشأن المحلي، هذا الحديث الذي كان هو (إضافة الى الربطة) موجّهاً الى خصومه السياسيين الحقيقيين (نداء تونس والاتحاد العام للشغل) والمفُتَرضين (مثل رئيس الحكومة يوسف الشاهد)، ما اسهم في خلط الاوراق.. المخلوطة اصلاً، بعد أن أثبت «الشاهد» القادم قبل سنة من المؤسسات الدولية، أنه بات رقماً «مهماً» في المعادلة التونسية، التي ما تزال حتى اللحظة ولأمد غير معروف اسيرة تحالف «الشيخين».. شيخ «حقيقي» هو الغنوشي نفسه، فيما الآخر علماني ورمز البورقيبية التي لم يأفل نجمها بعد، لكنه طاعن في السن هو «الشيخ» الباجي قائد السبسي.
لم تكن ربطة العنق التي ظهر بها «سماحة» الغنوشي، لِتثير الجدل الذي ما يزال مستمِرا، لولا انها ترافقت بتحذيرات لِيوسف الشاهد من مغبة الترشح للانتخابات الرئاسية، المتوقّعَة العام 2019، ولم يكتف بذلك بل طالبه «التعهّد» بعدم الإقدام على ذلك، مُملِياً عليه صيغة تقول: أنني يوسف الشاهد غير معني بانتخابات 2019 وان ما يعنيني هو ادارة الشأن العام في البلاد، خاصة الاقتصادي وتنظيم انتخابات بلدية ثم تشريعية ورئاسية. وكي تكتمل دائرة «الوصاية» الغنوشية فإن الرجل الذي بدا «حازِماً وإن كان صريحاً للغاية في مقابلته التلفزيونية، ردَّ على سؤال عن سبب تحذيره هذا، فقال: انه «مُتخوِّف» من ان تكون هذه الحكومة او رئيسها او بعض وزرائها (يُفكِّرون) في الترشح للرئاسة عام 2019 طالباً منهم في حزم بأن «يُبقوا أعينهم على مشاكل البلاد».
المشهد التونسي في ضوء مواقف الغنوشي المثيرة والمثقلة بالرسائل، يبدو اكثر تعقيداً مما يتبدى في «البساطة المُفرطة» التي خلط بها رئيس حركة النهضة الاوراق وكيف وضع مسألة الانتخابات الرئاسية بعد عام ونصف على رأس جدول الأعمال الوطني، وكأني به يريد ترتيب الاوراق مسبقاً ويضمن تحالفه مع حزب «نداء تونس» رغم ان الأخير بات حزباً ضعيفاً واحتمالات بقائه في صدارة الاحزاب الممثلة في البرلمان تبدو ضئيلة، ليس فقط في الانقسامات التي عصفت به، وانما أيضاً في ان خصومه قد انهكوه وبخاصة بعد تقدّم «حافظ» ابن الرئيس صفوف الحزب، ولم يبق من «حائط صد» حقيقي، سوى رئيس الحزب، رئيس الجمهورية، قائد السبسي بحكمته وسِعَة صدره.
الأمر الآخر، الذي يدفع للشك في اهداف الغنوشي اثارة موضوع كهذا، يأخذ صفة التحذير تحت طائلة النبذ والإطاحة بحكومة يوسف الشاهد، هو ان اوساط الغنوشي نفسه لم تُنكِر على الرجل «حقّه» في الترشح للرئاسة، ولكن بطريقة مواربة، تقول كل شيء ولكن في الوقت نفسه لا تقول شيئاً، وتُبقي على الموضوع في دائرة الغموض مثل الزعم: ان ظهور الغنوشي بربطة العنق هو: «مُغادَرة منه لمربَّع الطائفة، وخطوة نحو الدولة» على ما قال مستشاره السياسي لطفي زيتون.
لكن الأهم، في ما نحسب، هي تلك الوصاية او الإحتكارية التي تستبطنها تصريحات الغنوشي المُتلفزَة عندما «يَحظُر» على رئيس الحكومة (اياً كانت افكاره ومرجعيته السياسية) التنافس على منصب سياسي، بطرق مشروعة وديمقراطية، وان يطلب من رئيس حكومة التكنوقراط وباقي فريقه الوزاري: «ان يُبقوا اعينهم مُركّزَة على مشاكل البلاد» وكأن رئيس الجمهورية في الدول الديمقراطية لا تعنيه مشاكل البلاد، او يرى فيها «ترَفاً» لا ضرورة للاقتراب منها.
وبصرف النظر عن «التوافق» او الانسجام (مع حليفِه الرئيس السبسي وحزبه) الذي عبر عنه الغنوشي في مقابلته، فإن لغة الغزل التي طبعت هذه الاقوال تجاه «نداء تونس» لا تعكِس بالضرورة حقيقة الاوضاع «التحالفية» بين الحزبين، اللذين نجحا في مصادرة المشهد السياسي واحكما قبضتهما عليه وتصرّفا احياناً.. بحكمة، كأن ما يجمعهما هو وجودهما في قارب يوشك على الجنوح، وبخاصة ان الحراك السياسي وخصوصاً الحزبي، بدأ يأخذ زخماً مُتجدِّداً في ضوء الجدل الذي تثيره تصريحات الرئيس السابق المنصف المرزوقي، والذي يبدو ان الغنوشي وحركته قد «غسلا» ايديهما منه ولم يعودا يراهنا عليه، بل ويريان في تحالفاته السياسية التي تبدو وكأنها تراهن على قوى اقليمية عربية وغير عربية.. عقبة. ولكن الرجل (المرزوقي) يبدو أنه خارج حسابات المنافسة «الجدِيّة» على الرئاسة، حتى وإن اعلن انه سيخوضها، وتوفّر على بعض التأييد من قوى اسلاموية متطرفة، لأن «المجاهد» هذا، ما يزال يؤيد الارهاب في سوريا ويُدلي بتصريحات يبدو من خلالها انه لم ينسَ شيئاً ولم يتعلم شيئاً أيضاً.
الاتحاد العام التونسي للشغل ما يزال يُشكّل رقماً صعباً ومهماً في الحياة السياسية والاجتماعية والنقابية التونسية، وهو رغم الحملات المُبرمَجة عليه، الا انه يواصل السير في طريق مرسوم بعناية، لا يتخلى من خلالها عن الشأن الوطني واتباع نهج المصالحة والحوار وجمع الاطراف المتصارعة على كعكة الحُكم, لتجنيب تونس مخاطر الانزلاق الى حرب أهلية، بعد ان اقترب الارهابيون كثيراً من حدودها (وداخلها) ناهيك ان احزاب المعارضة اليسارية والقومية ما تزال تتوفر على نفوذ وشعبية, قد تسمح لها بكسر احتكار الحزبيين (النهضة ونداء تونس) وهذا مرهون بمدى الخلافات التي ستبرز في حال اصرّ يوسف الشاهد على «المنازَلة» الرئاسيّة، وتحدّى وصاية وهيمنة الغنوشي «مُرتَدي البدلة.. والربطة» وحليفه حزب «نداء تونس».
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو